تعبيرية.
تعبيرية.
الأحد 16 يونيو 2024 / 12:25

كيف يغير الذكاء الاصطناعي الحروب وسياسات العالم؟

سيغيّر الذكاء الاصطناعي حياتنا اليومية بطرق لا حصر لها؛ ولكن ما مدى تأثيره على إيقاع الشؤون العالمية. هل سيقلب ميزان القوى العالمي؟ هل سيسمح للأنظمة الاستبدادية بحكم العالم؟ هل سيسرع من وتيرة الحرب ويجعلها أكثر دموية لدرجة أنها تصبح خارجة عن السيطرة؟

هل يجعل الذكاء الاصطناعي الحرب خارجة عن السيطرة؟

من السابق لأوانه تقديم إجابة قاطعة بالطبع؛ وستتوقف تأثيرات الذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف على القرارات التي سيتخذها القادة والدول، وأحياناً تتخذ التكنولوجيا منعطفات مثيرة.
لكن حتى مع انبهارنا وقلقنا من الإصدار التالي من برنامج ChatGPT، يقول هال براندز، أستاذ للعلوم السياسية ومحلل استراتيجي في مقاله بموقع "أمريكان إنتربرايز إنستيتيوت" البحثي الأمريكي: "إننا بحاجة إلى التفكير في ستة أسئلة أكثر عمقاً حول الشؤون الدولية في عصر الذكاء الاصطناعي. ونحن بحاجة إلى النظر في احتمال مثير: ربما لن يغير الذكاء الاصطناعي العالم بقدر ما نتوقع".

1) هل يجعل الذكاء الاصطناعي الحرب خارجة عن السيطرة؟

هناك فكرة مؤكدة واحدة عليك النظر فيها؛ وهي أن الذكاء الاصطناعي سيجعل الصراع أكثر فتكاً وأصعب احتواءً. يتصور المحللون أن الآلات تستطيع في المستقبل قيادة الطائرات المقاتلة بمهارة أكبر من البشر، وتدمر الهجمات السيبرانية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي شبكات العدو، وتعمل الخوارزميات المتقدمة على تسريع اتخاذ القرار. ويحذر البعض من أن اتخاذ القرار بطرق آلية قد يؤدي إلى تصعيد سريع – بل حتى التصعيد النووي - مما يجعل صناع السياسات يتساءلون عما حدث. وإذا كانت جداول السكك الحديدية تسببت باندلاع الحرب العالمية الأولى، فربما يتسبب الذكاء الاصطناعي في اندلاع الحرب العالمية الثالثة. 

لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي سيحدث تحولاً في الحروب. فهناك احتمالات كبيرة ستدخل في هذا المجال بدءاً من تمكين الصيانة التنبوئية للمعدات الحربية إلى تسهيل التحسينات المذهلة في الاستهداف الدقيق.

ويمكن لطائرة من طراز "إف-35" واحدة- تحمل سرباً من الطائرات بدون طيار شبه المستقلة- أن تحمل قوة نيران وحدة قاذفات قنابل كاملة. وكما خلصت لجنة الأمن القومي للذكاء الاصطناعي في عام 2021، فإن "عصراً جديداً من الصراع" سوف يهيمن عليه الجانب الذي يتقن "الطرق الجديدة للحرب".

2) هل يساعد الذكاء الاصطناعي الأنظمة الاستبدادية في السيطرة على العالم؟

ستحتاج أجهزة الاستخبارات المجهزة بالذكاء الاصطناعي إلى عدد أقل من القوى العاملة لفك شفرة الكميات الهائلة من المعلومات الاستخباراتية التي تجمعها عن شعوبها مما يسمح لها، على سبيل المثال، برسم خرائط دقيقة وتفكيك شبكات الاحتجاج بلا هوادة. وسوف تستخدم تكنولوجيا التعرف على الوجه التي يدعمها الذكاء الاصطناعي لمراقبة مواطنيها والسيطرة عليهم بينما تستخدم المعلومات الخاطئة بمساعدة الذكاء الاصطناعي لتشويه سمعة المنتقدين في الداخل والخارج. وبجعل الاستبداد أكثر كفاءة، قد يسمح الذكاء الاصطناعي للديكتاتوريين بالهيمنة على العصر الناشئ.

هذا بالتأكيد ما تأمله الصين. ولكن لا يوجد ما يؤكد أن الأنظمة الاستبدادية سوف تتفوق. فبناء نماذج لغوية كبيرة قوية يتطلب مجموعات ضخمة من المعلومات. ولكن إذا كانت هذه المدخلات ملوثة أو متحيزة نظراً لأن الإنترنت في الصين يخضع لرقابة شديدة، فستواجه جودة المخرجات معاناة. وسيكافح النظام القمعي المتزايد أيضاً لجذب أفضل المواهب بمرور الوقت: فمن اللافت أن 38% من كبار الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة هم من أصل صيني.

3) هل يفضل الذكاء الاصطناعي الدول المتقدمة؟

تضيق بعض التقنيات الفجوة بين المجتمعات الأكثر والأقل تقدماً من الناحية التكنولوجية. سيعمل الذكاء الاصطناعي على تمكين الضعفاء في بعض النواحي. ولكن هناك مخاوف في الولايات المتحدة من أن تساعد نماذج اللغة الكبيرة الإرهابيين والدول المارقة الذين يستخدمون أدوات علمية بدائية في بناء أسلحة بيولوجية.
ولكن سيكون الذكاء الاصطناعي لعبة الأغنياء في جوانب أخرى. إن تطوير الذكاء الاصطناعي المتطور مكلف بشكل لا يصدق. وقد يتطلب تدريب نماذج اللغة الكبيرة استثمارات ضخمة والوصول إلى عدد محدود من العلماء والمهندسين المتميزين، ناهيك عن كميات مذهلة من الكهرباء. وتشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة البنية الأساسية التي تدعم روبوت الدردشة Bing AI التابع لشركة Microsoft تبلغ 4 مليارات دولار. يمكن لأي شخص تقريباً أن يكون من المستفيدين من الذكاء الاصطناعي، لكن تحوله إلى أحد صنّاعه يتطلب موارد وفيرة.
والواقع أن العديد من القادة الأوائل في سباق الذكاء الاصطناعي إما من عمالقة التكنولوجيا (ألفابت، ومايكروسوفت، وميتا، وآي بي إم، وإنفيديا، وغيرها) أو من الشركات التي تتمتع بالقدرة على الوصول إلى الأموال (OpenAI). ولا تزال الولايات المتحدة تتصدر هذا المجال بفضل قطاعها التكنولوجي النابض بالحياة والممول جيداً.

4) هل يعمل الذكاء الاصطناعي على تفتيت التحالفات أو تعزيزها؟

لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها التفوق على الصين بشكل كبير في الإنفاق على التكنولوجيات المتقدمة إلا إذا جمعوا مواردهم معاً. وأفضل أمل لبكين هو أن ينقسم العالم الحر بشأن الذكاء الاصطناعي.
لكن من السابق لأوانه أن نستنتج أن الذكاء الاصطناعي سيعطل التحالفات الأمريكية بشكل أساسي، حيث تستخدم الولايات المتحدة هذه التحالفات بنجاح في بعض الحالات كأدوات للتنافس التكنولوجي.


5) هل سيعمل الذكاء الاصطناعي على ترويض أو إشعال المنافسة بين القوى العظمى؟

تتعلق العديد من هذه الأسئلة بكيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على شدة المنافسة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة والقوى الاستبدادية بقيادة الصين. لا أحد يعرف حقاً ما إذا كان الذكاء الاصطناعي الجامح قد يعرض البشرية للخطر حقاً. لكن المخاطر الوجودية المشتركة تؤلف أحياناً بين قلوب الفرقاء.
خلال الحرب الباردة الأصلية، تعاونت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي لإدارة المخاطر المرتبطة بالأسلحة النووية. وخلال الحرب الباردة الجديدة، ربما تجد واشنطن وبكين هدفاً مشتركاً في منع استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض خبيثة مثل الإرهاب البيولوجي أو تهديد البلدان على جانبي الانقسامات الجيوسياسية اليوم.
ومع ذلك، فإن القياس يسير في كلا الاتجاهين، حيث جعلت الأسلحة النووية الحرب الباردة أكثر حدةً ورعباً. فكان على واشنطن وموسكو أن تتنقلا عبر مواجهات عالية المخاطر مثل أزمة الصواريخ الكوبية والعديد من أزمات برلين قبل أن يهدأ الاستقرار الهش. واليوم، يبدو ضبط أسلحة الذكاء الاصطناعي أكثر صعوبة من ضبط الأسلحة النووية، حيث يصعب مراقبة التطور في الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن أن فوائده أحادية الجانب مغرية للغاية، فنجد أن الذكاء الاصطناعي يعزز المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، حتى مع بدئهما حواراً ناشئاً حوله.


6) هل سيجعل الذكاء الاصطناعي القطاع الخاص متفوقاً على القطاع العام؟

أصبحت الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي جهات جيوسياسية قوية والحكومات تعلم ذلك. والواقع أن السياسة الحكومية قادرة على تسريع أو إبطاء الابتكار. ولكن تعتمد آفاق أمريكا الاستراتيجية على إنجازات الشركات الخاصة بدرجة كبيرة.
من المؤكد أن هناك أسباباً للخوف من أن الذكاء الاصطناعي قد يجعل الحرب غير قابلة للسيطرة، أو يقلب توازن القوى، أو يكسر التحالفات الأمريكية، أو يفضل الأنظمة الاستبدادية على الديمقراطيات. ولكن هناك أيضاً أسباب وجيهة للاشتباه في أنه لن يفعل ذلك.
ما لا شك فيه هو أن الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً ملهمة وإمكانيات رهيبة. وينبغي أن تركز أمريكا هدفها على الابتكار بلا هوادة، تحت مظلة المسؤولية، بالقدر الذي يكفي لعدم حدوث تغير في النظام العالمي بشكل جذري ... حتى مع تغير التكنولوجيا.