مظاهرات مناهضة لليمين المتطرف في باريس (رويترز)
مظاهرات مناهضة لليمين المتطرف في باريس (رويترز)
الثلاثاء 18 يونيو 2024 / 12:00

من أمريكا إلى أوروبا.. اليمين المتطرف يتقدم

يرغب اليمين المتطرف في فرنسا من الآن فصاعداً أن يُعرف ببساطة باسم "اليمين"، يمكن للمرء أن يرى المنطق حسب الكاتب السياسي جدعون راخمان.

في إطار الديمقراطية وسيادة القانون إن مصطلح "اليمين المتطرف" قد لا يعود مناسباً

ففي استطلاعات الرأي عن الانتخابات التشريعية التي تقترب سريعاً في فرنسا، يتقدم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بفارق كبير، وفي الوقت نفسه، إن اليمين التقليدي في حالة انهيار، وإذا أصبح حزب التجمع الوطني أكبر كتلة في البرلمان الفرنسي الشهر المقبل، فسيكون الحزب قد أعاد تعريف الفكر المحافظ الفرنسي.
وكتب راخمان في صحيفة "فايننشال تايمز" أن مسألة ما إذا كان ينبغي إعادة تسمية اليمين المتطرف باليمين وحسب، يتردد صداها خارج فرنسا. 

وثمة قضية مماثلة في الولايات المتحدة، حيث نجح الرئيس السابق دونالد ترامب في تحويل الحزب الجمهوري إلى صورته الخاصة. إذ أصبح حزب جورج بوش الأب، التقليدي والأممي والمؤيد للسوق، بالكاد يتمتع بوجود اليوم، والآن أصبحت مجموعة "أمريكا أولاً" الترامبية هي التي تقود الحركة المحافظة.

وتجري مناقشات موازية في إيطاليا وبريطانيا، ألا يزال من المنطقي تعريف جورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، بأنها "يمينية متطرفة"، ومع تقدم حزب الإصلاح بقيادة نايجل فاراج على حزب المحافظين الحاكم في أحد استطلاعات الرأي، ثمة حديث عن سيطرة ما بعد انتخابية بمفعول رجعي لفاراج وأفكاره على حزب المحافظين. فماذا بقي إذاً من التمييز بين اليمين واليمين المتطرف؟

الحد الفاصل

يرى راخمان أن الخط الفاصل الحاسم هو المواقف تجاه الديمقراطية، فإذا رفض زعيم سياسي قبول نتائج الانتخابات وأراد تحطيم "الدولة العميقة"، أي في الواقع الدولة نفسها، فمن الواضح أنه  في أقصى اليمين. 

لكن إذا دفع حزب ما باتجاه تطبيق سياسات يعتبرها الليبراليون بغيضة أو رجعية أو حتى عنصرية، لكن في إطار الديمقراطية وسيادة القانون، فإن مصطلح "اليمين المتطرف" قد لا يعود مناسباً. 

وتتطور الأيديولوجيات والحركات السياسية، وقد تكون بعض هذه القوى الصاعدة ببساطة الوجه الجديد للسياسة اليمينية، تماماً كما قام السير روبرت بيل بتحويل التيار المحافظ البريطاني في القرن التاسع عشر أو كما أعاد باري غولدووتر ورونالد ريغان تشكيل اليمين الأمريكي في القرن العشرين.

نافذة أوفرتون

ويتحدث علماء السياسة عن "نافذة أوفرتون"، وهي مجموعة من السياسات التي تُعتبر محترمة من قبل الرأي العام السائد في أي وقت. 

وما فعله ساسة مثل ترامب ومارين لوبان وفاراج هو إزاحة هذه النافذة، وبالتالي إن السياسات التي كانت تعتبر ذات يوم تنتمي إلى اليمين المتطرف انتقلت إلى الاتجاه السائد. 

هذا هو الحال بشكل أكثر وضوحاً في ما يتعلق بالهجرة، حيث تحدِّد الآن أشكال مختلفة من سياسات "بناء الجدار" الترامبية النقاش في الغرب، فهل لا يزال بالإمكان حقاً تسمية هذه السياسات بـ "اليمين المتطرف"، عندما تتفق معها الأغلبية؟ ثمة مصطلح آخر، مثل "الشعبوية الوطنية"، يبدو أكثر دقة.

ميلوني ولوبان تعاكسان ترامب

وأضاف الكاتب أن ترامب كشف بشكل حتمي عن طبيعته بعد خسارته الانتخابات الرئاسية سنة 2020، إذ أظهر رفضه قبول النتائج وتشجيعه لمحاولة الانقلاب أنه مناهض في صميمه للديمقراطية، لكن لوبان وميلوني تتحركان في الاتجاه المعاكس.
وبدت ميلوني حتى الآن في السلطة وكأنها محافظة تقليدية بشكل نسبي، بالرغم من أن كثراً من اليسار الإيطالي لا يزالون يشتبهون بشدة بأن لديها أجندة خفية. 

وتمثلت استراتيجية لوبان بأكملها على مدى العقد الماضي في "نزع شيطنة" اليمين المتطرف ونقله إلى الوسط، ولتحقيق هذه الغاية، قامت حتى بطرد والدها من الحزب، وفي الآونة الأخيرة، انفصلت عن الحزب اليميني المتطرف، البديل من أجل ألمانيا.

الخطر الحقيقي

فهل هذا يعني أنه يمكن الاسترخاء إذا تولى حزب التجمع الوطني نصيباً من السلطة الفرنسية في يوليو (تموز)؟ 

بالطبع لا، يجيب راخمان. فبعض سياسات لوبان تجاه أوروبا، مثل استعادة سيادة القانون الفرنسي أو حجب المدفوعات الفرنسية لموازنة الاتحاد الأوروبي، يمكن أن تسبب اضطرابات اقتصادية وتهدد بقاء الاتحاد الأوروبي.
ولا يزال ممكناً السعي إلى مثل هذه السياسات بشكل مشروع ضمن إطار ديمقراطي. وسيأتي الخطر الحقيقي إذا ولّد جو الأزمة ذريعة لدعوة حزب التجمع الوطني إلى فرض سلطات الطوارئ، وبالتالي تجاوز الخط إلى السلطوية.

تغليب للشكل على المضمون؟

قد يبدو قول إن احترام الديمقراطية هو الخط الفاصل بين اليمين واليمين المتطرف وكأنه يعطي الأولوية للشكل على المضمون. 

ويرى كثر أن المرفوض فعلاً في سياسيين مثل ترامب أو لوبان هو السياسات التي يدافعون عنها.

لكن ما دامت الهياكل الديمقراطية باقية، فلدى الناخبين فرصة في نهاية المطاف لرفض تلك السياسات، لقد أطاحت الولايات المتحدة بترامب في انتخابات 2020. 

وخسر حزب القانون والعدالة المحافظ للغاية في بولندا منصبه السنة الماضية.

وحسب راخمان، يظل احترام الديمقراطية وسيادة القانون الخط الفاصل بين السياسة المحافظة والسلطوية اليمينية المتطرفة.