الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الثلاثاء 2 يوليو 2024 / 15:27

تقرير: روسيا جادة ولا تخادع بالتهديد النووي

يبدو أن أطراف الحرب الأوكرانية أكثر استعداداً لتصعيد النزاع بدل انهائه مع استمرار القتال في عامه الثالث.

أي دولة سوف تتصرف بناء على تهديداتها لإثبات مصداقيتها

وفي خطابه السنوي عن "حالة الأمة"، حذر الرئيس فلاديمير بوتين دول "الناتو" من أنه في حال استمرار تسليحها لأوكرانيا وتفكيرها في إرسال قوات، "عليها في النهاية أن تفهم أن كل هذا القتال يهدد حقاً بصراع باستخدام الأسلحة النووية، وبالتالي تدمير الحضارة".
وحذر بوتين المسؤولين الأمريكيين في يونيو (حزيران) 2022 من إرسال صواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا، قائلاً: "سنضرب الأهداف التي لم نضربها بعد".

هل ينفذ بوتين تهديداته النووية

ومع ذلك، يقول بنيامين جيلتنر، محلل مختص بالسياسة الخارجية الأمريكية في مقاله بموثع "ناشيونال إنترست": "يبدو أن صناع السياسات والمحللين الأمريكيين يعتقدون أن بوتين لن ينفذ تهديداته النووية عندما يتعلق الأمر بالتصعيد. ويبدو أن إدارة بايدن تتفق مع هذا الرأي، بعدما سمحت لأوكرانيا مؤخراً باستخدام الأسلحة الأمريكية لضرب الأراضي الروسية؛ وهو الخط الأحمر الذي رفضت الإدارة في السابق تجاوزه".

افتراض خاطئ

ويعتقد الكاتب أن التصعيد أمر محسوب، وأن الدول تميل إلى التمويه والخداع بالإشارة إلى الخطوط الحمراء، وهذا الافتراض خاطئ.

وكما أوضح الخبير العسكري والاستراتيجي النووي الشهير برنارد برودي، فإن البلدان عادة لا تواجه التهديدات بالتمويه. 

والواقع أن هناك حالات متعددة عبر التاريخ تظهر كيف أدى سوء فهم التصعيد إلى نتائج كارثية.
ويُعد المنطق الذي استندت إليه اليابان في هجومها على بيرل هاربور أحد الأمثلة على سوء تقدير استعداد الخصم للتصعيد، كما يشير الكاتب. 

وفي ذلك الوقت، اعتقد الأدميرال إيسوروكو ياماموتو، مهندس الهجوم على بيرل هاربور، أن هذا الهجوم من شأنه أن يدمر معنويات أمريكا، ويمنعها من مواجهة التوسع الياباني في جميع أنحاء المحيط الهادئ. 

وبطبيعة الحال، كانت هذه التوقعات بعيدة كل البعد عن الهدف. فقد أدى الهجوم على بيرل هاربر بدلاً من ذلك إلى إدخال أمريكا في الحرب العالمية الثانية.
وتوفر الحرب الكورية مثالاً آخر على التكاليف المترتبة على تجاهل صناع السياسات والقادة العسكريين للخطوط الحمراء. 

وعام 1950، دفع الجنرال دوغلاس ماك آرثر، قائد قيادة الأمم المتحدة، القوات التي تقودها الولايات المتحدة إلى شبه الجزيرة الكورية في هجوم مضاد مذهل ضد الجيش الكوري الشمالي

وأصر ماك آرثر على استخدام القوات الأمريكية لتحقيق نصر كامل ضد الكوريين الشماليين بقيادتهم حتى نهر يالو على الحدود الجغرافية بين كوريا والصين.

وكان المسؤولون الصينيون قد حذروا المسؤولين الأمريكيين والأمم المتحدة بعدم دفع قواتهم إلى ما بعد النهر.

وأظهرت تقارير الاستخبارات الأمريكية أيضاً أن القوات العسكرية لجيش التحرير الشعبي كانت تحشد في المناطق المجاورة لنهر يالو. 

ومع ذلك، أصر ماك آرثر على أن الصينيين لن يدخلوا هذه الحرب. وقد ثبت خطأ تقييم ماك آرثر، حيث تدفقت القوات الصينية إلى كوريا في أكتوبر (تشرين الأول) 1950، وهو ما شكل إحدى نقاط التحول في الحرب الكورية.
وكان قرار رئيس الوزراء السوفييتي نيكيتا خروشوف بإرسال صواريخ نووية إلى كوبا في عام 1962 مثالاً ثالثاً. 

ففي الثالث عشر من سبتمبر (أيلول) 1962، حذر الرئيس الأمريكي جون إف. كينيدي الاتحاد السوفييتي من تحويل كوبا إلى "قاعدة عسكرية هجومية ذات قدرة كبيرة". 

ومع ذلك، كشف خروشوف عن "خدعة" كينيدي وقرر إرسال صواريخ نووية متوسطة المدى إلى الجزيرة. 

ونظر إلى كينيدي بوصفه زعيماً ضعيفاً وتوقع أن إدارته لن تفعل أي شيء لمواجهة هذه المناورة.
ورغم أن هذه الصواريخ لم تغير التوازن النووي بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، نظرت إليها إدارة كينيدي بأنها هددت مصداقية الحسم الأمريكي. وعلى إثر خطأ خروشوف، ظهرت أزمة الصواريخ الكوبية؛ وهي فترة متوترة استمرت ثلاثة عشر يوماً حيث دفعت قوتان نوويتان عظميان العالم إلى شفا كارثة نووية. 

ولحسن الحظ، لم يسفر تجاوز هذا الخط الأحمر عن عمل عسكري، وإن كنا اقتربنا كثيراً من ذلك.

دروس مستفادة

والدرس المستفاد من هذه الأمثلة، برأي الكاتب، هي أنه من الصعب أن نحدد ما إذا كانت دولة ما تخادع. 

ففي كل حالة، تتضح العواقب السلبية المترتبة على استخفاف الزعماء بمصداقية الخطوط الحمراء. وينظر زعماء البلدان إلى المصداقية بوصفها عاملاً مهماً في فن الحكم، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمفهوم الردع.
وأضاف: لا ينجح الردع إلا إذا كان الجانب الآخر يعتقد أن الآخر سوف يفعل ما يقوله. وإذا لم تؤخذ الخطوط الحمراء على محمل الجد، فيعني هذا عدم نجاح الردع إلا إذا كان الطرف الآخر يعتقد أن الآخر سوف ينفذ ما يقوله.
والواقع أن أي دولة سوف تتصرف بناء على تهديداتها لإثبات مصداقيتها. ويتعين على صناع السياسات والمحللين الأمريكيين اليوم أن يتوخوا الحذر في تفسير الإشارات الروسية. فالكثيرون يدعون الولايات المتحدة إلى تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها روسيا ومواصلة التصعيد المتعمد بشأن الصراع في أوكرانيا.