الأحد 15 يونيو 2014 / 00:49

"تسييل" أسهم الثورة


كان اللافت خلال السنة الأولى من عمر ثورة يناير، اعتلاء شباب كثر مقاعد فضائيات انفجرت كالسيل تتحدث عن بركان الغضب الهادر ضد نظام مبارك وفساده، ثم تستعيد مشاهد ميدان التحرير، مع الإفراط في استعمال أوصاف مشتركة؛ كثورة الشباب، "والناشط الثوري"، "وعضو ائتلاف الثورة".

ووسط الزحام لجأت الميديا لاختزال المشهد الثوري في وجوه باتت مكررة ومألوفة، وارتاحت الوجوه المصبوغة إعلامياً بالثورية إلى دورها المريح والمربح، فبمرور الأيام بات هؤلاء نخبة جديدة تبدي آراءها في تشكيل الوزارات، وتعد البيانات، وتمثل كفاح ملايين المصريين ممن خرجوا ضد مبارك، وبنفاق سطحي ارتاح الإعلام لاختزال المشهد الثوري في هؤلاء، فهم من زاوية قريبو المنال لصنع حلقات مثيرة، ومن أخرى واجهة سهلة لثورة كان من الصعب تحديد واجهتها وقياداتها.

وتطورت مكاسب الصغار فتحولوا من ضيوف وسياسيين تشكلوا سريعاً إلى إعلاميين لهثت فضائيات في سبيل غسيل تاريخها المساند لمبارك إلى التعاقد معهم.

اتسعت الظاهرة، ومن لم يستطع اللحاق بموجة المكسب الأول، "لتسييل الأسهم الثورية"، ارتضى ما تبقى في أسبوع "الفضل والبواقي"، فظهرت ألقاب "شاعر الثورة"، "وأسد الميدان"، ثم توالت موجات أضعف من المكاسب الهزيلة، للدرجة التي لجأ البعض فيها الى المسارعة بارتداء كوفية فلسطينية، وجينز، ليقترب من المشهد الثوري كما رسم الإعلام صورته النمطية، إلى أن صعد الإخوان وفشل حكمهم، وتشكلت موجة معارضة أعقبتها موجة اختزال إعلامي مع وجوه جديدة ثم تسييل "ثوري أيضاً".

وبدورهم، طالب النشطاء الجدد بكعكة في المناصب، أو التعيين في مؤسسات صحافية، ومن تجاوزته مكاسب تسييل الأسهم الثورية، اضطر إلى النصب؛ فوزع بطاقات تعريف تقول إنه كان عضواً في حملة السيسي أو قيادياً مجهولاً في تمرد.

تسييل المكاسب السياسية، أو العيش على هامشها، ظاهرة ليست جديدة، كان الأدب سباقاً لرصدها عربياً، مع عيسى الدباغ، الذي نال ثمن مواقفه هدايا ومناصب وفساداً، في "السمان والخريف" لنجيب محفوظ، وجزائرياً مع الطاهر وطار في الشمعة والدهاليز؛ عندما نزل جنرالات التحرير من الجبال يبحثون عن الحصاد، بعد زوال الفرنسيين، هي قالب سبق أن أنتج كائنات منظمة الشباب في العهد الناصري، وكان جلياً في عهد الإخوان السريع وإن قصرته الجماعة على أبناء المحنة من عشيرتها.

لكن المشترك بين جميع "المسيليين " أن منطقهم يفضي بالضرورة إلى احتكار المكاسب ومن ثم الجمود، والاستبداد، وانتظار "مسيليين" جدد يطيحون بهم خارج المشهد.