لاحظ الكاتب السياسي سيث فرنتزمان كيف قامت المواقع الإعلامية المؤيدة لإيران وتركيا والأنظمة التسلطية المنتهكة لحقوق الإنسان باستغلال ساخر لذكرى مقتل جمال خاشقجي كي تبيّض سجلّ ديكتاتوريّيها.

الدول التي تتعرض حرية التعبير فيها إلى أكثر القيود قساوة تنشر مقالات عن حرية التعبير
وذكر في موقع معهد "غيتستون" أنه منذ السنة الماضية، تم اختطاف الحزن الحقيقي على مقتل خاشقجي في بعض الدول والإعلام لغايات خفية، حيث ساد حديث عن حرية الصحافة بينما تعرض الصحافيون للمضايقة والطرد والسجن داخل هذه الدول نفسها.

أكبر سجان للصحافيين يبكي حرية التعبير

كتبت شبكة "أي بي سي" الإخبارية السنة الماضية: "حتى مع دعوة القادة الأتراك إلى تحقيق دولي في مقتل الصحافي السعودي العربي خاشقجي، وجدت لجنة حماية الصحافيين أنّ الحكومة التركية هي أكبر سجان عالمي للصحافيين للسنة الثالثة على التوالي". توجهت منظمة "العفو الدولية" ومنظمة "مراسلون بلا حدود" إلى اسطنبول لاستذكار خاشقجي، ونشرت الأولى دعوة خاصة لتكريم إرثه. وفي حين كانت منظمة العفو تستذكر الصحافي السعودي، أشارت أيضاً إلى اللائحة الطويلة من الانتهاكات التي تطال الحريات في تركيا. ومع ذلك، سعى الإعلام الرسمي التركي إلى إلقاء الضوء على مقتل خاشقجي كمثال عن حرية الصحافة.

"مراسلون بلا حدود" لم تنجُ من القمع

تم الحكم على عالم بالسجن لمدة 15 شهراً قبل أيام فقط على الذكرى الأولى لمقتل خاشقجي بسبب نشره خلاصات لدراساته البيئية، بينما دعت منظمة العفو إلى إسقاط التهم عن الأكاديمي. ورأت المنظمة نفسها في أغسطس (آب) أنّ تركيا تفرض حظراً واسعاً على المواقع الإلكترونية وهو "هجوم صريح على حرية التعبير". الممثل نفسه لمنظمة "مراسلون بلا حدود" الذي حضر إحياء المناسبة المرتبطة بمقتل خاشقجي تعرض للاعتقال سنة 2016 "بعدما قام كضيف رمزي بتحرير منشور ليوم واحد كجزء من حملة تضامن".

القضاء التركي يخنق الحريات
دعت منظمة العفو أيضاً إلى إسقاط التهم "الغريبة" ضد ناشط المجتمع المدني عثمان كافالا وقالت في فبراير (شباط) إنّ المحاكم التركية استُخدمت من أجل "خنق الحرية الإعلامية". وذكّرت المنظمة في مايو (أيار) بأنّ أنقرة لا تزال أكبر سجان للصحافيين على الرغم من أنّ الإعلام الحكومي التركي يتحدث عن "حرية الصحافة" ومقتل خاشقجي. يتابع الكاتب أنّ مدير قسم تركيا في منظمة العفو يخضع للمحاكمة. اتهمت تركيا هؤلاء الناشطين الحقوقيين ب "الإرهاب" بحسب ما ذكرته صحيفة الغارديان. وطردت أنقرة ثلاثة صحافيين ألمان في مارس (آذار). لم يكن بإمكانهم تغطية الأحداث في تركيا التي تمحورت حول "حرية الصحافة" هذا الأسبوع.

طهران ليست أفضل

وفي إيران التي شهدت اعتقال واتهام أكاديميين أجانب بناء على تهم باطلة وفقاً لتقارير حديثة، خصصت شبكة برس تي في مقالاً لوصف كيف قام "عملاء حكومة السعودية باغتيال الصحافي المنشق جمال خاشقجي بوحشية". هذه إيران نفسها التي طردت صحافياً من وكالة الصحافة الفرنسية في مايو 2018 وصحافياً من الغارديان في 2008 وصحافياً إسبانياً في 2010 وصحافياً آخر من وكالة الصحافة الفرنسية في 2011. وهي إيران نفسها التي أغلقت مكتب هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي في 2009 وسجنت صحافياً آخر لمدة 544 يوماً وأمرت بسجن وجلد صحافيين في أغسطس 2018 وطاردت أكاديميين وآخرين وحرمت الشعب من حقه الأساسي بالتعبير عن رأيه.

وفي قطر الناشطون "يختفون"
من جهتها، نشرت شبكة الجزيرة القطرية عدداً من المقالات عن خاشقجي ملقية الضوء على الناشطين الحقوقيين الذين يهتمون بإرثه وتذكر إدانات ل "الظل السام" للدول القوية مثل السعودية التي تقول الجزيرة إنّها تتصرف "مفلتة من العقاب". واستذكرت الجزيرة مقتل خاشقجي عبر نشر مقال رأي يطلب من الرياض تحرير الناشطين ويرى أنّ خاشقجي دفع ثمن رغبته بسعودية "مختلفة". لا توجه قطر التي تستضيف الإعلام المنتقد للسعودية أي انتقادات لسجلها الخاص حول حقوق الإنسان. ومع ذلك، تشير التقارير الأجنبية إلى أنّ ناشطين حقوقيين تعرضوا للاحتجاز في قطر، من بينهم على سبيل المثال ناشطان بريطانيان كانا قد "اختفيا" في قطر سنة 2014 بحسب ما نقلته صحيفة الغارديان. لكن تم إطلاق سراحهما في نهاية المطاف وتمكنا من العودة إلى المملكة المتحدة.

سجن وترحيل وحظر
سنة 2012، سُجن شاعر بسبب "إهانة أمير" قطر. وذكرت منظمة العفو أنّ مدوناً وناشطاً حقوقياً تم احتجازه سنة 2011. كما لفتت السنة الماضية إلى أنّ عضوين من اتحاد الصحافيين النيباليين تعرضا للترحيل وتم منع محام يمثل شاعراً من السفر. وقالت منظمة العفو إنّ "حرية التعبير تبقى خاضعة للرقابة الصارمة" في قطر – قطر نفسها التي يشجع إعلامها حرية التعبير في الخارج.

ماذا لو كانت علاقتها أفضل مع الرياض؟
أكد الكاتب أنّ انتهاك ذكرى خاشقجي في بعض الدول يبدو سياسياً أكثر مما هو دعم للقيم كما يدعي إعلامها. إنّ الدول التي تتعرض حرية التعبير فيها إلى أكثر القيود قساوة تنشر مقالات عن حرية التعبير. تميل هذه الدول إلى التمتع بإعلام عدواني بشكل رسمي تجاه السعودية، فيما موت خاشقجي مرتبط باستخدامه كنفوذ في مواجهة الرياض أكثر من ارتباطه بالتعلم من الحادثة، بما أنّ بعض هذه الدول منخرط في القتل خارج الإطار القضائي. ورجح فرنتزمان في الختام أنه لو كان لهذه الدول علاقات أفضل مع الرياض لخفتت تغطيتها لمقتل خاشقجي.