فيما تتخلى الولايات المتحدة عن حلفائها في سوريا، يكافح، مظلوم كوباني، قائد قوات كردية لتفادي تداعيات هذا الانسحاب، ويبدي خشيته من أن يعرض الانسحاب شعبه للخطر، ويمكن المتطرفين من رص صفوفهم من جديد.

بات الأكراد يخشون من أن يقود انسحاب أمريكي كامل لخسارة تلك المكاسب، وتشريد ومقتل أبناء شعبه
وبعيداً عن الخطوط الأمامية أين يحتمل أن يغتاله الأتراك، بدا القائد الكردي منهكاً، بعد عشرة أيام من القتال وصراع جيوسياسي على مصير شعبه.

تشريد وقتل
ولاحظ بن هوبارد، مدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" في بيروت، أن مظلوم كوباني فقد الكثير من وزنه، وبدت عيناه غائرتان بسبب الإرهاق، وهو الذي ضحى مقاتلوه بأرواحهم في سبيل انتزاع المنطقة من سيطرة داعش، وإنشاء سلطة حكم ذاتي على أرضهم القديمة.

واليوم، يخشى الرجل أن يتسبب الانسحاب الأمريكي الكامل في خسارة تلك المكاسب، وتشريد ومقتل أبناء شعبه.

وقال كوباني، قائد قوات سوريا الديموقراطية قسد: "سيحدث تطهير عرقي ضد الشعب الكردي في سوريا، وستكون الإدارة الأمريكية مسؤولة عنه".

ولكن، رغم شعوره بالأسى لأن الأمريكيين يغادرون اليوم سوريا بعد محاربة مقاتليه إلى جانبهم طيلة سنوات، فإنه لا يظهره، وعوض ذلك، فإنه، يعرب عن أمله في استمرار تلك الشراكة.

وقال كوباني، إن "أمريكا في حاجة للعمل لإعادة بناء الثقة مع حليفها ضد داعش. وتستطيع أن تحد من الضرر الذي سببه القرار الأخير، والحفاظ على المناطق التي حررناها سوياً".
  
ويلفت كاتب المقال إلى تسبب التوغل التركي في شمال شرق سوريا لاكتساح قوات كوباني، وإبعادها عن الحدود، في تقويض سلام هش، واندلاع قتال أودى بما يزيد عن 200 شخص.

المنطقة الآمنة
ووافق الأمريكيون والأتراك، في نهاية الأسبوع الأخير، على هدنة عند الحدود، وإنشاء "منطقة آمنة" للمدنيين، ولكن قلة من السكان مطمئنون لما جرى.

في هذا السياق، قال عبد القادر عمر نابي الذي هرب من بلدته رأس العين عند الحدود بعدما دمرت غارة تركية بيته: "ستسود الفوضى. ولن تكون المنطقة آمنة. ستُدمر".

وقال ابنه، شيار، بعد أن حضر من البلدة مع جرحى آخرين، إنه خشي مقاتلين سوريين مدعومين من الأتراك. وأكد أنهم لا يفرقون بين المقاتلين والمدنيين،"وإذا كنت كردياً، فسيقتلونك".

حصة  
ويلفت كاتب المقال إلى أن كوباني وجد نفسه وسط جحافل من القوات تسعى لأخذ حصة من المنطقة.

فالقوات الحكومية السورية تريد استعادة منطقة تسيطر عليها قوات كوباني، وأرسلت قوات لمنع الأتراك من التقدم. وتدخلت روسيا للتوسط، وعقد صفقات. وأرسلت تركيا ميليشيات سورية لانتزاع مناطق.

وأعلنت إدارة ترامب اتفاق هدنة يسمح لتركيا بإنشاء ما يسمى بـ" منطقة آمنة" في سوريا أين تأمل أن تعيد توطين لاجئين سوريين.

ويوم الأحد الماضي، تقدمت تركيا خطوة أخرى لتحقيق ذلك الهدف، عندما غادر مئات من مقاتلي كوباني ومدنيين منهكين بلدة رأس العين الحدودية التي قصفتها تركيا بشدة بالتعاون مع وكلائها السوريين.

وقال كوباني: "فرغت المدينة من سكانها. لم يبق أحد فيها".

وتطبيقاً لاتفاق هدنة، توصل إليه، ليلة الخميس الأخير، مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتوجب على مقاتلي كوباني مغادرة مثلث يضم بلدتي تل أبيض ورأس العين على الحدود السورية مع تركيا، ويمتد جنوباً نحو الطريق السريع الرئيسي في المنطقة التي تخضع لسيطرة قوات كوباني، على أن يُستكمل الانسحاب، بحلول ليلة الثلاثاء.

خطوط حمراء

ولكن ليلة الأحد الماضي، قال كوباني إنه لم يوافق على السماح "باحتلال تركي للمنطقة"، و "هناك حاجة لرسم خطوط حمراء تقضي بمنع الأتراك من تطهير عرقي أو تعديل ديموغرافي، وتوضح كيفية تعاملهم مع السكان هناك، والسيطرة التركية الدائمة على المنطقة. ولن نقبل بهذا".

وحسب الكاتب، جاءت سلطة كوباني من خلال شراكة بين قسد والتحالف الدولي بقيادة أمريكية في الحرب على داعش.

ومع توالي هزائم المتطرفين في المنطقة، استولت قواته على مزيد من المناطق التي ساعدت قوة من حوالي 1000 جندي أمريكي في إحكام السيطرة عليها.
  
لكن تلك الشراكة أغضبت تركيا، حليفة أمريكا في الناتو، بسبب ارتباط مقاتلي كوباني بميليشيا كردية حاربت الدولة التركية، عشرات السنين. ولطالما هدد أردوغان بإبعاد قوات كردية عن الحدود، قائلاً إن ذلك ضروري لأمن تركيا.

ومنذ قرار ترامب بسحب قوات أمريكية من سوريا، وفقدان كوباني أقوى داعميه، بدأ الأخير يسعى للتوصل إلى تسويات جديدة مع قوى أخرى في المنطقة. وجعله ذلك على تواصل مع عدد مفاجئ من الشخصيات النافذة، لرجل يرأس ميليشيا مجهولة نسبياً في ركن غامض من سوريا.

وقال كوباني إن القضايا شديدة التعقيد. وألتقي مع الجميع، وسأتخذ أي قرار يصب في مصلحة شعبنا".