رأى المدير الإداري لمركز "برادفورد أم فريمان" للسياسة العالمية في معهد جورج دبليو بوش إيغور خرستين أن حلف شمال الأطلسي قد يكون أمام سيناريوهين، في حالة فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، وتشجيعه السابق لروسيا على غزو الدول الأطلسية التي لم تدفع مستحقاتها المالية.

معركة إنقاذ الناتو من قائد أعلى مستقبلي يرغب في الانسحاب منه تبدو طويلة


السيناريو الأول، بحسب الكاتب، هو تسبب أمريكا بزوال الناتو، علماً أنها كانت الدولة الوحيدة التي استفادت رسمياً من تفعيل المادة الخامسة (بعد 11 سبتمبر(أيلول)). والسيناريو المحتمل الآخر هو نظام أطلسي غير مستدام مكون من مستويين، تدافع الولايات المتحدة بموجبه عن الدول التي تلبي متطلبات الإنفاق الخاصة بها، بينما تتخلى عن الدول التي لا تفعل ذلك.
وكتب خرستين في مجلة "أمريكان بوربوز" أن هناك الكثير من السوابق التي يمكن للسلطة التنفيذية الاعتماد عليها إذا أرادت الانسحاب من معاهدة. لقد انسحبت الولايات المتحدة أحادياً مما يفوق مئة معاهدة في الماضي، من ضمنها معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية عام 1972، والتي انسحب منها الرئيس جورج بوش الابن في 2002، ومعاهدة السماوات المفتوحة 1992، والتي انسحب منها ترامب عام 2020.

 


على نحو مماثل، تشتمل منظمة حلف شمال الأطلسي على بند خروج، وهو بسيط للغاية. تنص المادة 13 من المعاهدة على أنه بعد دخولها حيز التنفيذ عقب مرور 20 عاماً على انطلاقها، أي ابتداء من 4 أبريل (نيسان) 1969، لن تتطلب مغادرة الناتو سوى إخطار بسيط للدول الأعضاء الأخرى.
منذ أكثر من 5 سنوات، شرع مجلس الشيوخ في إنشاء شبكة أمان ضد خروج الولايات المتحدة المبكر من الناتو. قدمت مجموعة من كلا الحزبين في مجلس الشيوخ بقيادة الديمقراطي تيم كاين والجمهوري كوري غاردنر قراراً مشتركاً في 26 يوليو (تموز) 2018 يتطلب من أي رئيس الحصول على مشورة وموافقة مجلس الشيوخ، قبل الانسحاب من الناتو.
وكانت آلية الأمان واضحة ومباشرة: يتعين على أي رئيس أن يحصل على موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ على انسحاب من الناتو، وهو شرط المصادقة نفسه على معاهدة جديدة، لكن في اتجاه معاكس. لقد كانت خطوة غير مسبوقة، وحظيت باهتمام إعلامي كبير ونقاش بين الخبراء في ذلك الوقت.
أقر الكونغرس المادة التشريعية المتعلقة بحلف شمال الأطلسي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ضمن قانون تفويض الدفاع الوطني لسنة 2024 المالية. كان توقيع الرئيس جو بايدن على القانون مثلاً نادراً على دعم القائد الأعلى بنداً يقيد صلاحيات السلطة التنفيذية، وعادة ما يحارب محامو البيت الأبيض مثل هذه النتيجة بكل ما أوتوا من قوة.

ماذا عن السوابق؟

أضاف الكاتب أن القضايا القانونية التي ينطوي عليها استباق محاولة خروج الولايات المتحدة من الناتو معقدة. لقد حاول أعضاء الكونغرس مرات عدة منع السلطة التنفيذية من الخروج الأحادي الجانب من معاهدات رئيسية أخرى، وفشلوا.

 


في ديسمبر (كانون الأول) 1978، رفع السيناتور باري غولدووتر و14 عضواً آخرين في مجلس الشيوخ دعوى قضائية ضد الرئيس جيمي كارتر، للطعن في قراره بإنهاء أحادي الجانب لمعاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة وتايوان، من أجل تطبيع العلاقات الأمريكية مع جمهورية الصين الشعبية. وفي السنة التالية، أعادت المحكمة العليا، بدون الاستماع إلى المرافعات الشفوية، القضية إلى المحاكم الابتدائية، بعدما رفضت النظر فيها. وجادل رئيس المحكمة العليا ويليام رينكويست بالنيابة عن الأغلبية بأن القضية كانت "غير قابلة للتقاضي".

 


في يونيو (حزيران) 2002، رفع عضو الكونغرس آنذاك دينيس كوسينيتش و30 عضواً إضافياً في الكونغرس دعوى قضائية ضد بوش الابن لمنع الانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، بحجة مماثلة مفادها أنه لا يمكن للرئيس إنهاء المعاهدة بدون موافقة الكونغرس. ورفضت المحكمة الجزئية الأمريكية لمقاطعة كولومبيا الدعوى.

آراء قانونية

يختلف علماء القانون في تفسيرهم لهذه الحالات وما إذا كانت تشكل أي نوع من السوابق الملزمة. سنة 2018، قال أستاذ القانون في جامعة ييل هارولد كوه إن "الحكمة التقليدية القائلة إن الرئيس يمتلك سلطة عامة أحادية الجانب لإنهاء الاتفاقات الدولية أو الانسحاب منها هي فكرة خاطئة". في عام 2019، قال أستاذا القانون في جامعتي شيكاغو وهارفارد كيرتس برادلي وجاك غولدسميث إنه "من غير الواضح" ما إذا كانت تشريعات الكونغرس قد حققت بالفعل هدف منع انسحاب سابق لأوانه من حلف شمال الأطلسي، بالرغم من أنها "تزيد بشكل كبير من احتمالية أن تفصل المحاكم في الأسس الموضوعية لإنهاء المعاهدة الرئاسية".
والشهر الماضي، قال الخبير القانوني في كلية كولومبيا للقانون سكوت أندرسون إن الكونغرس لم يفعل ما يكفي، ويحتاج الآن على وجه التحديد إلى "التفويض المسبق للتقاضي"، من أجل "تحدي أي جهد رئاسي للخروج من الناتو يتعارض مع هذا البند" بشكل أكثر نجاحاً.
بناء على هذا المشهد القانوني، يلفت الكاتب إلى أن الأمر الوحيد الواضح هو أنه إذا انسحب رئيس مستقبلي من الناتو، فسوف تنشأ معركة قانونية طويلة ومتواصلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

الضربة القاضية

إن معركة إنقاذ الناتو من قائد أعلى مستقبلي يرغب في الانسحاب من الحلف بعيدة من النهاية. إذا اختار رئيس مستقبلي المضي قدماً في الخروج من الناتو، فمن المرجح أن تتحدى السلطة التنفيذية القيود التي فرضها الكونغرس أمام المحكمة، بدعوى أنها تنتهك صلاحيات القائد الأعلى الممنوحة، بموجب الدستور لإدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
على أية حال، تابع خرستين، ربما لن تكون المعركة القانونية المطولة ذات أهمية كبيرة من الناحية العملية. يمكن أن تأتي الضربة القاضية للناتو في شكل إعلان أمريكي بسيط واتخاذ بعض الخطوات الأولية نحو خروج أمريكي سابق لأوانه، مثل وقف مساهمات الولايات المتحدة في مقرات الناتو أو فشل الولايات المتحدة في حضور اجتماعات رئيسية.
وإذا أصدر رئيس مستقبلي بياناً مشابهاً لتصريحات ترامب التي أكد فيها أن الولايات المتحدة لن تهب للدفاع عن أي عضو في حلف الناتو إذا تعرض للهجوم، فإن قدرة الردع الحاسمة للحلف يمكن أن تُدمَر بشكل لا رجعة فيه، وليس هناك ما يمكن أن يكون الكونغرس قادراً على القيام به.