تبددت الحماسة الانفصالية في الوقت الحالي في "نارفا"، ثالث أكبر مدينة في إستونيا، وهي مدينة قريبة من المعبر الحدودي مع روسيا، ويتحدث فيها جميع السكان تقريباً اللغة الروسية كلغة أم، ويحمل واحد من كل 3 سكان الجنسية الروسية بدلاً من الجنسية الإستونية.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أنه نتيجة للحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، فإن الخطر الذي تمثله موسكو لم يتبدد. حيث تم إغلاق الجسر الحدودي الذي كان صاخباً فوق نهر نارفا أمام المركبات منذ فبراير (شباط) الماضي، كجزء من العلاقة المتدهورة بسرعة بين البلدين.

كما تصطف الأهرامات الخرسانية المضادة للدبابات على الامتداد الذي اعتاد السكان المحليون القيادة فيه بشكل روتيني لملء الغاز الروسي الأرخص، وتطلب الإشعارات من الأشخاص القادمين من روسيا عند نقطة التفتيش الحدودية الإستونية المخصصة لحركة المشاة، لتبادل المعلومات حول التهديدات الأمنية للدولة الإستونية.

أرض تاريخية

بعد بداية الحرب، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علناً مدينة نارفا، التي يبلغ عدد سكانها 53 ألف نسمة، بأنها أرض روسية تاريخياً. وأصدرت حكومته منذ ذلك الحين مذكرة اعتقال بحق رئيسة الوزراء الإستونية كاجا كالاس، بسبب أوامر حكومتها بإزالة المعالم الأثرية للقوات السوفيتية.

ورغم أن قليلين يتوقعون أن تقوم روسيا بضرب إستونيا عسكرياً في المستقبل القريب، فإن الحكومات الأمريكية والأوروبية تشعر بقلق متزايد من أن بوتين يخطط لاختبار التصميم الغربي، من خلال تحدي أعضاء حلف شمال الأطلسي، وخاصة دول البلطيق الثلاث، التي كانت تحكمها موسكو، إذا نجح في ذلك.

وقال توماس جيرمالافيشيوس، رئيس الدراسات في المركز الدولي للدفاع والأمن، وهو مركز أبحاث في تالين، عاصمة إستونيا: "نحن نعلم أن روسيا عدوانية. إنه مثل القاتل: لديه النية والوسائل، ويحتاج فقط إلى فرصة".

وكان هذا القلق سبباً رئيسياً وراء قيام رئيس مجلس النواب مايك جونسون، في تحدٍّ للمقاومة بين زملائه الجمهوريين، بتمرير حزمة مساعدات بقيمة 60 مليار دولار لأوكرانيا.

مواجهة التحديات

ومن الاستثمارات في الجيش إلى الجهود الدبلوماسية والاستخباراتية، يقول المسؤولون الإستونيون، وغيرهم من دول البلطيق، إنهم يعملون على مواجهة التحدي الذي يلوح في الأفق.

وقال الميجور جنرال إلمار تام، قائد رابطة الدفاع الإستونية، وهي منظمة شبه عسكرية من شأنها أن تكمل الجيش النظامي في حالة الحرب، والتي زادت من تجنيدها وتدريبها: "لسنا التاليين لأننا نستعد دائماً لتجنب أن نكون التاليين".

وتم نشر قوات برية من أعضاء آخرين في الناتو، بما في ذلك الولايات المتحدة، في منطقة البلطيق منذ عام 2017 وتم تعزيزها بعد غزو أوكرانيا. ويبلغ عددهم الإجمالي حوالي 5000 جندي، وهم عدد قليل جداً، بحيث لا يمكنهم مقاومة هجوم عسكري واسع النطاق.

ويقول مسؤولون غربيون إن أماكن مثل نارفا والمناطق الريفية المحيطة بها في شرق إستونيا هي من بين الأهداف الأكثر وضوحاً للتحقيق الروسي، وكذلك "ممر سووالكي" بين بولندا وليتوانيا، والمناطق الناطقة بالروسية في شرق لاتفيا.

تخوف غربي

وحذر رئيس الاتحاد الأوروبي، أنطون هوفريتر، من أن صعود الأصوات الانعزالية في الولايات المتحدة، بما في ذلك تصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب بأنه سيدعو روسيا لغزو الحلفاء الأوروبيين الذين لا يدفعون ما يكفي لحماية الناتو، قد أدى بالفعل إلى تآكل قوة الردع في التحالف.

وقال هوفريتر: "أشعر بالقلق من أنه بسبب الإشارات غير الواضحة من الغرب، قد نقوم بتضليل بوتين وجعله يعتقد أنه يستطيع الهجوم دون عواقب وخيمة. لنفترض أنه سيهاجم نارفا ويقول في اليوم التالي إنها الآن جزء من روسيا وتقع تحت المظلة النووية الروسية، فماذا ستفعل الآن؟".

وعندما يتعلق الأمر بالتهديد العسكري الأكثر تقليدية، فقد قدر وزير الدفاع الإستوني هانو بيفكور، أن الأمر سيستغرق من روسيا عامين أو 3 أعوام لإعادة بناء قواتها لتحدي الناتو بشكل جدي. وأضاف "في الأشهر المقبلة، في المستقبل المنظور، وطالما أن الحرب الأوكرانية مستمرة، لا أرى أن بوتين مستعد لفتح جبهة ثانية. سيكون الأمر كارثياً بالنسبة له".