توقعت منظمة الصحة العالمية ارتفاع الحرارة هذا العام بدرجة غير مسبوقة، وحذرت وكالة ناسا من تبعات هذا الاحترار الذي يشير لعودة السلوكيات الفظة للإنسان ضد الطبيعة.

الإحصائيات تتحدث عن وفيات في الحج تعدت الثلاثمئة، أغلبهم مصريون، والسبب وفقاً للأنباء ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق! رغم أن الليلة الأولى من ليالي التشريق حظيت بهطول أمطار استثنائية في غير موعدها!
كل هذا وغيره يحدث بينما لم يبدأ الصيف بعد! فكيف بالقادم؟ وماذا تقول التوقعات عن هذا الأمر الذي يمس حركة الناس في الحياة وأرزاقهم وأعمالهم تحت الشمس..

مؤشر كورونا!

عندما حدث حظر التجوال العالمي أثناء جائحة كورونا ما هي إلا أسابيع قليلة حتى تغير العالم بأكمله تغيراً فجائياً أدهش المراقبين، فاختفت الشبورة الأزلية في لندن عاصمة الضباب، وانقشع الغبار المزمن من سماء البلدان الصناعية، ولم يعد أحد يتحدث عن مشاهدات للسحب السوداء الناتجة عن احتراق القش. أما أغرب ما تم إعلانه في جميع الإذاعات العالمية والقنوات الفضائية أن ثقب الأوزون اختفي تماماً، بعد أن تم رتقه بشكل تلقائي عجيب! 
يمكننا ببساطة وثقة أن نتخذ من عام 2020، ميزاناً ومؤشراً لمدى توحش وفجور آليات الصناعة وماكيناتها التي انطلقت تدور بضعف طاقتها الإنتاجية ما بعد كورونا لتعويض سنة التوقف، والنتيجة عودة ثقب الأوزون بأسرع وأشد مما سبق. 
ثم عادت حرائق الغابات مجهولة السبب تلتهم آلاف الهكتارات من الأشجار الخضراء التي هي رئة العالم. هكذا تصاعد مؤشر الاحترار الكوني تصاعداً حثيثاً، حتى بلغ قمته في عام 2024 ليشهد العالم درجات حرارة لم يشهد مثلها عبر التاريخ! كل هذا ولم يبدأ فصل الصيف بعد!

فوق الستين!

درجات حرارة لم نسمع بمثلها من قبل صرنا نرى تأثيرها رأي العين، إذ وصلت درجة الحرارة في بعض مناطق صعيد مصر لما يزيد على خمسين درجة، وهو شيء لم يحدث في أشد أيام الصيف سخونة في أي سنة مضت.
الغريب أن بعض الدول سجلت درجة حرارة زادت على ستين درجة! حدث هذا في مدينة "ريودي جانيرو" بالبرازيل. إذ سجلت منطقة جواراتيبا بغرب ريودي جانيرو درجة حرارة بلغت 63 درجة، لتسجل رقماً قياسياً استثنائياً ينذر بالأسوأ.
لقد أكدت الأمم المتحدة أن العقد الفائت كان الأشد حرارة على الإطلاق، وأن المتوقع أن يكون عام 2024 هو الأشد حرارة من سابقيه. وأن هناك أرقاماً تم تسجيلها عام 2023 أكدت تحطيم الأرقام القياسية في مستويات انبعاث الغازات الدفيئة وارتفاع مستوى سطح البحر وذوبان الجليد وتراجع حجم الأنهار الجليدية في القطبين..

ظواهر منذرة

أذكر أنني في العام السابق تحدثت عن ظاهرتين حراريتين حدثتا في منطقة الشرق الأوسط هما: ظاهرة "النينو" وظاهرة القبة الحرارية. أما هذا العام فهو موعد لظاهرة حرارية جديدة تُدعَى ظاهرة "النينا" التي تعقب ظاهرة النينو. وكلتاهما تحدثان في المنطقة الوسطى من المحيط الهادئ المتاخمة لخط الاستواء، وينتج عنهما خلل في توزيع مناطق الضغط الجوي والحرارة وحركة الرياح والأمطار.  
بدايات الصيف لهذا العام تحذر من القادم، إذ تسبب الجفاف ونقص الأمطار إلى جانب الانبعاثات الحرارية في تضاعف تأثير ارتفاع درجات الحرارة. فكيف ستكون درجات الحرارة مع البدء الفعلي للصيف فلكياً؟!
الدول الصناعية الكبرى يحلو لها أن تُسكت الأفواه وتُلجم المعترضين بمسرحية "قمة المناخ" التي أثبتت عدم جدواها وعدم جديتها، فمصانع الدول الصناعية تضاعف عددها وإنتاجها، وكميات الانبعاثات والأبخرة والعوادم في ازدياد مستمر، ما يعني أنها لا تنوي أن تجد حلاً فعلياً لمعضلة التغير المناخي، وإنما فقط أن تبث مسكنات دعائية لا تغير شيئاً من واقع مرير صرنا نلمس تداعياته. الأمر الذي يجعلنا نتشكك في نوايا تلك الدول، فهل حدوث ظاهرة الاحترار الكوني مقصودة؟ وهل تُحقق فائدة اقتصادية للدول الصناعية خلاف تفوقها الصناعي والإنتاجي؟!

عودة نظرية المؤامرة 

لا أحب الزج بنظرية المؤامرة لتفسير أي ظاهرة عالمية غير مفهومة. لكن في حالة الاحترار الكوني والتغير المناخي ربما أجد ما يجعلني أستدعيها سائلاً: هل هناك فئة يهمها ارتفاع الحرارة للدرجة التي تذيب أنهار الجليد وتضخم حجم المحيطات وتغرق شواطئ البحار؟! 
والإجابة: نعم. إنها الدول التي تنتظر ظهور الثروات التي يحفل بها القطب الشمالي، وتتمنى الذوبان السريع للطبقة السطحية له، حتى يسهل التنقيب على الكنوز والمعادن التي تملأ باطن تلك المنطقة البكر الخصبة الغنية بالثروات.
إننا نتحدث عن قارة تتصارع عليها عدة دول أوربية وآسيوية وأمريكية، وتتحرك من أجل حمايتها أساطيل هذه الدول، وبسبب الصراع القائم عليها حدث خلاف كان من نتيجته حدوث مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا في أوكرانيا. 
لن أتحدث هنا عن المنظمات السرية التي دعت لفكرة المليار الذهبي، وأن أمر سلامة البشرية لا يعنيهم في قليل أو كثير، وأن غرق السواحل والفيضانات وحرائق الغابات  الناجمة عن الاحترار كلها تُعد من باب الأضرار الجانبية التي تسرع في تنفيذ مخططهم بإهلاك الضعفاء نظير بقاء الأقوياء يحكمون ما سيبقى من الأرض والبشر!

عام ساخن جداً

ليس فقط على صعيد المناخ العالمي، بل على الصعيدين السياسي والعسكري.. 
المناطق الملتهبة يتسع نطاقها من أوكرانيا إلى غزة إلى جنوب لبنان إلى باب المندب إلى بحر الصين الجنوبي وما حول تايوان. ونتائج انتخابات البرلمان الأوروبي أحدثت زلزالاً سياسياً في أهم الدول الأوروبية الكبرى، معلنةً صعود اليمين المتطرف وحدوث انعكاس للبوصلة السياسية في أوروبا ومن ورائها سياسات الناتو والاتحاد الأوروبي، وهناك قرارات ربما تُتخذ في ملفات مصيرية كملف الحرب الأوكرانية والهجرة غير الشرعية وشروط الانضمام للاتحاد الأوروبي، والبعض يذهب إلى أن التأثيرات قد تصل لحد إحداث مزيد من الانشقاقات داخل الاتحاد الأوروبي نفسه تؤدي في المستقبل البعيد لانهياره.
وسوف ينتهي الصيف بانتخابات أمريكية تزيد الأحداث اشتعالاً بين مؤيدى ترامب وأنصار الحزب الديمقراطي. 
وبينما تذوب أنهار الثلج في القطب الشمالي بفعل الاحترار، يزداد ارتفاع الجدار الجليدي بين قوى الشرق، روسيا والصين وإيران، وبين قوى الغرب، أمريكا وأوروبا وحلفائهما.

تجاوز حد الأمان

منذ يونيو(حزيران) عام 2023 وحتى يونيو الحالي ارتفعت درجة الحرارة العالمية بمقدار تجاوز 1.5 درجة، وهو حد الأمان الذي سبق التحذير من تجاوزه، ليصل مدى الارتفاع إلى 1.63 درجة فوق متوسط ما قبل الصناعة (1850: 1900)، ولإدراك حجم ما وصلنا إليه، فلنعلم أن النصف الأول من القرن العشرين الذي شهد استخداماً مفرطاً للفحم والديزل والمازوت لم يتجاوز حد ارتفاع الحرارة نصف درجة فقط. وحتى وقت قريب وصل الارتفاع إلى 1.2 درجة ولم يتجاوز درجة ونصف إلا هذا العام. 
تحذيرات المختصين بتجاوز حد الأمان تنذر بتضاعف درجات الحرارة، وبتعرض عشرة ملايين شخص من ساكني الشواطئ لفيضانات وأخطار. وبفقدان كميات من الشعاب المرجانية وأنواع من الفقاريات والنباتات نتيجة لمخاطر بيئية شديدة. وكنتيجة للتغيرات المناخية الناجمة عن الاحترار قد تزداد مشكلات الأمن الغذائي، ويزداد عدد الفقراء في العالم.
المثل يقول: "مصائب قوم عند قوم فوائد". وهو ينطبق على أولئك الذين ينتفعون مما يحدث من كوارث بيئية دون أن يلقوا بالاً للمتضررين منها. 
ومهما كان الأمر علينا أن نحتاط ونستعد لما يحدث حولنا من تغيرات بيئية ترفع حرارة الجو، ومن تغيرات في السياسة العالمية ترفع حرارة الصراع. فمَن للضعفاء والفقراء بين هذا وذاك؟!