شهدت واشنطن أحد أكثر أسابيعها السياسية صخباً في الذاكرة الحديثة، مع تنحي الرئيس الأمريكي جو بايدن عن حملته السياسية لولاية رئاسية ثانية، وإلقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خطاباً غير مسبوق أمام الكونغرس.

يمكن لإدارة هاريس المستقبلية أن تتخذ موقفاً أكثر صرامة بشأن وقف إطلاق النار



لا يمكن التقليل من تأثير هذين الحدثين في سياق السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل وفلسطين، ناهيك عن الشرق الأوسط الأوسع، خلال عام الانتخابات. والسؤال المطروح هو ما إذا ما كانت لهذه التغييرات تأثيرات فورية أم بعيدة المدى. ويبدو الاحتمال الثاني هو الأكثر ترجيحاً في ضوء جمود السياسة الخارجية لواشنطن ورضوخها الطويل الأمد لإسرائيل، حسب ما أفاد ألكسندر لانغلويس، محلل للسياسة الخارجية متخصص بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تحليله بموقع "ناشونال إنترست".

منذ جونسون


وقال الكاتب إن بايدن انسحب من السباق الرئاسي في 21 يوليو (تموز)، ليكون بذلك أول رئيس في السلطة يفعل ذلك منذ ليندون جونسون أثناء حرب فيتنام. وبرغم اختلاف الظروف بين هذين الحدثين، فإن الاضطرابات السياسية والسياسات الخارجية غير المقبولة ترسم خطاً مباشراً بين الإدارتين.

 

 


وبينما انسحب بايدن بسبب التراجع المستمر لشعبيته في الاستطلاعات، على الأرجح بسبب المخاوف بشأن عمره، فإن المشاعر المناهضة للحرب مثل تلك التي واجهت جونسون في ذلك الوقت لعبت دوراً مهماً في خفض أرقام استطلاعات الرأي هذه أيضاً.
دعم بايدن على الفور نائبة الرئيس كامالا هاريس، كمرشحة للرئاسة عن الحزب الديمقراطي، مع اصطفاف جهاز الحزب إلى حد كبير خلفها. لعبت هاريس دوراً تقليدياً في الخلفية يرتبط بمنصبها، بينما قامت بدور "الشرطي القاسي" في الإدارة، فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وعلى النقيض من ذلك، زعم مسؤولو الإدارة  الأمريكية أنه لا توجد مسافة بينها وبين الرئيس بشأن هذه القضية. وحاول بعض الخبراء والمحللين والمسؤولين السابقين تصوير هاريس على أنها محبطة من استراتيجية الإدارة تجاه إسرائيل وفلسطين، مسلطين الضوء على دعواتها إلى اتخاذ موقف أكثر صلابة ضد انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية.

البقاء السياسي لنتانياهو


ولفت الكاتب النظر إلى أن هذه السلسلة من الأحداث ضغطت على زيارة نتانياهو إلى واشنطن. وخلال خطابه أمام الكونغرس، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي خطاب حملة مصمماً لتعزيز الدعم المحافظ لبقائه السياسي، مبتعداً بسرعة عن خطاب "الوحدة" الموعود سابقاً. والواقع أن نتانياهو دفع بالعديد من الأكاذيب حول عمليات بلاده في غزة، بينما هاجم المواطنين الأمريكيين وسط تصفيق مدو من ممثليهم المنتخبين.

 


جدير بالذكر أن هاريس اختارت عدم رئاسة الجلسة المشتركة للكونغرس، كما هي العادة بالنسبة لنائب الرئيس. ورفضت حضور الخطاب، إلى جانب ما يقرب من نصف أعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي. وعلى الرغم من أن هاريس لم تنتقد خطاب نتانياهو مثل العديد من زملائها في الحزب ــ بما في ذلك عدد كبير من الديمقراطيين التقليديين الذين حضروا الخطاب وشبهوه بزعيم أكثر اهتماماً بالحفاظ على الذات من بقاء إسرائيل أو العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل،  فإنها استقبلته ببرودة مصممة للحفاظ على المسافة بين الإدارة الأمريكية وبين إسرائيل.


الديمقراطيون رفضوا الحديث مع نتنياهو


وأشار الكاتب إلى أن معظم الديمقراطيين لم يبقوا في قاعة الكونغرس للتحدث مع نتانياهو أو مصافحته بعد خطابه. وأدانه كثيرون بعد ذلك، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم اهتمامه الواضح بمناقشة الرهائن الإسرائيليين أو وقف إطلاق النار، حيث اعتقلت شرطة الكابيتول العديد من أفراد أسر الرهائن للاحتجاج على الحدث.


انتقاد إسرائيل من المحرمات


وقال الكاتب: "ما يزال انتقاد إسرائيل في أروقة الكونغرس من المحرمات إلى حد ما، وهو أمر لن تغيره إدارة هاريس المستقبلية بين عشية وضحاها. والواقع أن نائبة الرئيس تستمد جذورها من معسكر تقليدي مؤيد لإسرائيل لا يزال يهيمن على الحزب ويضم أعضاء يتمتعون بمواقف واسعة النطاق في الدوائر المؤيدة لفلسطين مثل لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس".

وبالتالي، يضيف الكاتب، الزمن فقط هو الذي سيخبرنا ما إذا كانت هاريس قد لعبت دور الشرطي القاسي بدلاً من الرغبة الحقيقية في اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل، وما إذا كانت مواقفها تأتي لاعتبارات انتخابية في جوهرها.
وبغض النظر عن ذلك، يقول الكاتب، يمكن لإدارة هاريس المستقبلية أن تتخذ موقفاً أكثر صرامة بشأن وقف إطلاق النار الدائم، ووصول المساعدات الإنسانية، وانتقاد الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بما في ذلك المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية.