لبضع ساعات خلال عطلة نهاية الأسبوع، تمكن الإسرائيليون من التمتع بوهم حياة طبيعية، إذ شاهدوا رياضييهم في دورة الألعاب الأوليمبية يفوزون بثلاث ميداليات في يوم واحد.

سيؤخر اغتيال هنية أي محادثات لوقف إطلاق النار

ثم عادوا، مما كتبت مجلة "إيكونوميست"، إلى تصفح العناوين الرئيسية، حيث ألغت المزيد من شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى البلاد خوفاً من نزاع وشيك بين إسرائيل وإيران.
يبدو أنه من المحتم أن ترد إيران على اغتيالين نفذتهما إسرائيل الشهر الماضي. في ليلة 30 يوليو (تموز)، قتلت غارة إسرائيلية في بيروت فؤاد شكر، أحد كبار قادة حزب الله، بعد بضع ساعات، اغتالت ضربة أخرى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية

قُتل هنية في دار ضيافة حكومية في طهران بعد ساعات فقط على حضوره تنصيب الرئيس الإيراني الجديد. بالتالي، يستحيل على إيران أن تتجاهل قتله. في أبريل (نيسان)، بعد أن اغتالت إسرائيل جنرالاً إيرانياً في غارة جوية على مجمع سفارة بلاده في دمشق، ردت إيران بوابل من أكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار.

وبعد عقود من استخدام الميليشيات الوكيلة لمضايقة إسرائيل، وضعت إيران سابقة جديدة: أي هجوم مباشر على أراضيها سيتم الرد عليه بالمثل. لكن من المستحيل التنبؤ بكيفية ردها.

علامتا استفهام

السؤال الأول هو التوقيت، في أبريل (نيسان)، استغرقت إيران أسبوعين للرد. هي تريد إبقاء الإسرائيليين على حافة الهاوية لكنها لا تريد أن يُنظر إليها على أنها مترددة. والسؤال الآخر هو ما إذا كانت إيران ستستهدف قواعد عسكرية إسرائيلية فقط، كما فعلت في أبريل أو ستحاول ضرب هدف مدني.
ثم هناك ما يسميه محللو الاستخبارات الإسرائيلية "المزيج". هل سيأتي الهجوم من إيران فقط، أم أن حزب الله وربما أعضاء آخرين في التحالف الشيعي الإيراني، كالحوثيين في اليمن، سيطلقون النار أيضاً؟ منذ أكتوبر (تشرين الأول)، تعرضت إسرائيل لإطلاق نار من جميع الاتجاهات، لكن وكلاء إيران لم يطلقوا ترساناتهم الكاملة. على سبيل المثال، استخدم حزب الله بشكل أساسي صواريخ قصيرة المدى في هجماته شبه اليومية على إسرائيل، ويمكنه إطلاق بعض صواريخه الأكبر للانتقام لشكر.

ستار دفاعي أمريكي.. تتمناه إيران

الواقع أن لدى أمريكا قوات كبيرة في المنطقة، من ضمنها مجموعة حاملة طائرات ضاربة في الخليج العربي ووحدة استكشافية بحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط، كما يجري إرسال سرب من مقاتلات الشبح إف-22، وصل الجنرال مايكل كوريلا، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، إلى المنطقة. 

وكما فعلت في أبريل(نيسان)، تعمل أمريكا مع حلفائها الغربيين والعرب على إنشاء ستار دفاعي. وإلى جانب القدرات الصاروخية الدفاعية لإسرائيل، تأمل أمريكا اعتراض معظم المقذوفات الإيرانية. بالفعل، ربما تنتظر إيران نفسها إنشاء هذا الستار: وهو ما من شأنه أن يسمح لها بالرد على إسرائيل ولكن مع احتواء التداعيات المحتملة.
لا تبحث إيران وحزب الله عن حرب شاملة. فالرابع من أغسطس (آب) هو الذكرى السنوية للانفجار المدمر في ميناء بيروت سنة 2020 والذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وتدمير جزء كبير من وسط المدينة. كان الانفجار ناجماً عن مخزون من نترات الأمونيوم في الميناء، ويشتبه كثر من اللبنانيين في أنه كانت لحزب الله يد في تخزينه هناك. هذه الجماعة حذرة من دعوة المزيد من الدمار إلى المدينة.
وثمة أصوات تدعو إلى الاعتدال في طهران أيضاً، على موقعه الإلكتروني، كتب يوسف بزشكيان، نجل الرئيس المنتخب حديثاً، أن الحرب مع إسرائيل ليست أولوية بالنسبة إلى إيران، بل ينبغي أن تشن حرباً على "الفقر والفساد والتمييز وعدم المساواة والفصائل السياسية المبذرة".

توتر داخلي في طهران

ترجح المجلة ألا يستجيب المرشد الأعلى علي خامنئي والدائرة المتشددة المحيطة به لدعوة نجل الرئيس، لكنهما يدركان أن استفزاز المزيد من الهجمات الإسرائيلية، ربما في المرة القادمة على البنية الأساسية الحيوية، لن يجعل النظام محبوباً لدى السكان الذين يعانون أساساً من انقطاع التيار الكهربائي المتكرر ونقص المياه، ويقول راز زيمت، مراقب إيران في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: "يتعين على النظام أن يرد على أي هجوم مباشر على طهران. ولكنهم يخشون ألا يتمكنوا من الاعتماد على الدعم المحلي لشن حرب شاملة مع إسرائيل".
ويشعر النظام بالتوتر من التهديدات من الداخل. إن تفاصيل الانفجار الذي أودى بحياة هنية غامضة، وتمتلئ طهران بشائعات عن المشتبه بهم في التعاون مع إسرائيل.

واعتقلت إيران العشرات من الأشخاص للتحقيق معهم، ومن بينهم كبار المسؤولين في الاستخبارات. وسيؤدي انعدام الثقة داخل أجهزة الأمن إلى تعقيد عملية اتخاذ القرار بشأن توجيه ضربة إلى إسرائيل.

"توقف عن خداعي"

ستعتمد إسرائيل على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمساعدتها في صد أي وابل من الصواريخ. وإذا نجحت الصواريخ هذه المرة وتسببت بأضرار جسيمة، فإنها سوف تجبر إسرائيل على شن ضربات انتقامية.

وقد دعت العديد من الحكومات الغربية رعاياها إلى مغادرة لبنان، وهو أمر صعب، لأن العديد من شركات الطيران تلغي رحلاتها إلى هناك أيضاً.
لكن استعداد أمريكا للوقوف إلى جانب إسرائيل بدأ يتضاءل. يظل مفتاح إنهاء العنف المتصاعد في المنطقة هو وقف إطلاق النار في غزة، حيث قُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين منذ أكتوبر (تشرين الأول). يعتقد المفاوضون الإسرائيليون والأمريكيون أن هناك إطاراً موجوداً لمثل وقف إطلاق النار هذا: أولاً هدنة مؤقتة، ثم هدنة أكثر ديمومة. وفي مكالمة هاتفية متوترة في الأول من أغسطس، اتهم الرئيس جو بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بعدم الجدية في التوصل إلى اتفاق. وقال بايدن، حسب تقرير بثته القناة 12 الإسرائيلية: "توقف عن خداعي".

فرص الحرب الواسعة تتزايد

أبلغ نتانياهو الأمريكيين أنه يؤيد الاتفاق. لكنه أضاف أيضاً مراراً شروطاً جديدة لعرقلة المحادثات وأخبر شركاءه اليمينيين المتطرفين في الائتلاف أنه لن يوافق على إنهاء الحرب قبل "النصر الكامل"، ويتفق جنرالات إسرائيل ورؤساء أجهزة الاستخبارات على الحاجة إلى وقف إطلاق النار، فقد عقدوا اجتماعات متوترة مع رئيس الوزراء في الأيام الأخيرة.
سيؤخر اغتيال هنية أي محادثات لوقف إطلاق النار حتى تتمكن حماس من تعيين زعيم مؤقت جديد. المرشح الواضح هو خالد مشعل، سلف هنية. لكنه منفصل عن رعاة حماس الإيرانيين، كما أنه يعارض يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، والذي ستكون له الكلمة الأخيرة في أي اتفاق. ومع وصول المحادثات إلى طريق مسدود حتى تتمكن إسرائيل وحماس من ترتيب أمورهما، تستمر فرص اندلاع حرب أوسع نطاقاً في الارتفاع.