على طريقة مخرجى السينما الذين يقفون فى أماكن التصوير وينادون بصوت عالٍ: أكشن تاسع مَرة.. أقول بصوت عالٍ: أكشن تاسع مرة «أنتونى بلينكن» -وزير الخارجية الأمريكي- في منطقة الشرق الأوسط.

جاء في مظهر أنيق والحراسات الخاصة تُحيط به، زار تل أبيب والتقى «بنيامين نتانياهو» رئيس الوزراء الإسرائيلي لمدة ثلاث ساعات، وبعدها عقَد مؤتمراً صحافياً وتحدث للصحافيين، يسأله الصحافيون أسئلة جادة لكنه يرد بإجابة بعيدة كل البعد عن المضمون، يسأله الصحافيون أسئلة حساسة، لكنه يرد بكلام مرسل لا فائدة منه، يسأله الصحافيون أسئلة في لب الموضوع المتعلق بأزمة الشرق الأوسط، لكنه يهرب ويبتسم ويتحدث في فرعيات غير مجدية.. الصحف الإسرائيلية قالت إنه اقتنع بوجهة نظر «نتانياهو»، لكن خرجت علينا مصادر أمريكية تنفي ما ورد في الصحف الإسرائيلية.
جاء «بلينكن» لـ«القاهرة» في زيارة نُسميها نحن بأنها (زيارة استكشافية)، بمعنى أنها زيارة لاستكشاف الموقف المصري، ليستكشف هل «مصر» ما زالت عند موقفها الرافض لتهجير الفلسطينيين؟، هل ما زالت «مصر» عند موقفها الرافض لتصفية القضية الفلسطينية؟، هل ما زالت «مصر» عند موقفها الرافض للوجود الإسرائيلي في معبر رفح؟، هل ما زالت «مصر» عند موقفها الرافض للوجود الإسرائيلي في «محور فيلادلفيا»؟.
جاء «بلينكن لهذه الأهداف الأربعة وتأكد من ثبات الموقف المصري الرافض -بقوة- لهذه الأهداف الإسرائيلية الأربعة.. وسمع وجهة النظر المصرية وشاهد الإرادة المصرية والرؤية المصرية الرامية لأهداف ثابتة تنم عن استراتيجية واضحة تجاه القضية الفلسطينية -عامة- وتجاه الأحداث في قطاع غزة -خاصة- استشعر بأن الموقف المصري ما زال ثابتاً ثبات الجبال وهو الرامي بضرورة الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية وضرورة إعطاء الأشقاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة في العيش الكريم في دولة فلسطينية مُستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ما قبل (5 يونيو 1967)، وأنه لا أمن ولا سلام ولا استقرار في الشرق الأوسط إلا بحل القضية الفلسطينية وهي قضية العرب المركزية الأولى.
لم نأخذ من «بلينكن» أي رؤية خالصة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، اللهم إلا اعتماده على مبادرة بايدن -الرئيس الأمريكي- والتي عرضها في يوم 31 مايو (أيار) الماضي وما تبعها من قرار مجلس الأمن رقم (2735) والذي يقضي بوقف إطلاق النار وإتمام عملية تبادل الأسرى والمحتجزين.
لم يُدِن «بلينكن» -مجرد إدانة- القصف الإسرائيلي المتعمد للأطفال والسيدات والمدارس والمساجد ومقرات المنظمات الدولية، ولم يستنكر -مُجرد استنكار- عدم احترام إسرائيل لقرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وعدم الرضوخ لنداءات قادة وزعماء العالم بضرورة وقف إطلاق النار.. لكنه كرر على أسماعنا الجملة التي رددها كثيراً.
وقال: (حريصون على أمن إسرائيل)، لكن ماذا عن المدنيين الفلسطينيين العُزل؟ لا يرُد ويراوغ ويهرب من الإجابة.. يقول «بلينكن» نصاً: "إن المفاوضات الآن ربما تكون الفرصة الأخيرة"، وهذا تصريح يحمل في طياته نبوءة فشل المفاوضات حتى قبل أن تنعقد.
إذن ماذا ننتظر من «بلينكن»؟، ننتظر منه أن يضغط على «نتانياهو» من أجل القبول باتفاق الهدنة الذي يقضي بإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وإتمام تبادل الأسرى والمحتجزين ووقف إطلاق النار نهائياً، وخروج الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة والعودة لطاولة المفاوضات للاتفاق حول حل الدولتين.