المفاوضات الجارية مهددة بالفشل لأسباب أخرى

تواجهُ المفاوضات بين إسرائيل وحماس ـ عبر الوساطة الأمريكية والقطرية والمصرية ـ العديد من العقبات، من أهمها: تعنّت الجانب الإسرائيلي، وإضافته لشروط جديدة تعجيزية، قد لا تقبل بها حماس، في محاولة مقصودة لإفشال المفاوضات، مما قد يؤدي إلى توسيع الحرب الدائرة، وتحويلها إلى حرب إقليمية، وذاك ما يسعى إليه نتانياهو وبعض القادة السياسيين من الأحزاب الدينية المتطرفة، وأيضاً بعض القادة العسكريين.
من ناحية أخرى، فإن المفاوضات الجارية مهددة بالفشل لأسباب أخرى، منها عدم حيادية الولايات المتحدة الأمريكية وإعلانها ـ صراحة ـ وقوفها إلى جانب إسرائيل، ليس فقط في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، وإنما أيضاً في دعمها لخرق تل أبيب معاهدة السلام بينها وبين مصر، وذلك بإصرارها على مواصلة سيطرتها على محو "صلاح الدين"، المعروف الآن ـ وحسب التسمية الإسرائيلية ـ بمحور فيلادلفيا، الذي يمتد من البحر المتوسط حتى معبر كرم أبوسالم.
الطرف الإسرائيلي يرى أن النقاش حوله سيكون في المرحلة الأخيرة من تنفيذ الاتفاق، أي عندما تضع حرب إسرائيل في غزة أوزارها بشكل نهائي، في حين توليه الفصائل الفلسطينية المقاتلة، وكذلك مصر أهمية خاصة، بحيث تعتبرانه قضية مركزية في جولة المفاوضات الدائرة حالياً، ومن غير الممكن تجاوز هذه المسألة بالنسبة للأطراف الثلاثة ـ الإسرائيلي والفلسطيني والمصري ـ كون المحور يمثل منطقة استراتيجية أمنية، ناهيك على أنه شريط حدودي عازل يبلغ طوله 14 كيلومتراً، يفصل بين الأراضي الفلسطينية بقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء.
محور فيلادلفيا، ظهر على إثر معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 التي نصت على إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود بين الطرفين، ووفقاً للاتفاقية، فإن المنطقة الحدودية التي تقع على الأراضي الفلسطينية، والتي أطلق عليها تسمية منطقة (د) تخضع لسيطرة القوات الإسرائيلية التي حددت بحسب الاتفاقية بكتائب مشاة، تصل إلى 180 مركبة مدرعة من الأنواع كافة، وطاقم مكون من 4 آلاف عنصر، إضافة إلى منشآت عسكرية وتحصينات ميدانية.
وبالمقابل منعت الاتفاقية وجود أي قوات مسلحة مصرية على الأراضي المصرية المتاخمة للحدود الفلسطينية التي أطلق عليها (ج)، وسمحت فقط للشرطة المدنية المصرية بأداء مهامها الاعتيادية بأسلحة خفيفة.
الوضع السابق حدث فيه تغير طفيف بعد انسحاب إسرائيل من غزة في أغسطس(آب) 2005، وعلى خلفية ذلك نصت خطة "فك الارتباط" على احتفاظ إسرائيل بوجود عسكري لها على طول الخط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر (محور فيلادلفيا)" في المرحلة الأولى.
وفي سبتمبر(أيلول) 2005 تم توقيع "اتفاق فيلادلفيا" بين إسرائيل ومصر، وقد اعتبرته إسرائيل ملحقاً أمنياً لمعاهدة السلام 1979، وتضمَّن نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، وتُقدر تلك القوات بنحو 750 جندياً من حرس الحدود المصري، ومهمتهم تتمحور فقط في مكافحة الإرهاب، والتسلل عبر الحدود، والتهريب، والكشف عن الأنفاق... إلخ.
وفي عام 2007، سيطرت حماس على قطاع غزة، وفرضت إسرائيل حصاراً خانقاً على القطاع، الأمر الذي دفع الفلسطينيين لعبور الشريط الحدودي باتجاه مصر، وعلى إثر ذلك فرضت القوات المصرية سيطرتها على فيلادلفيا.
وعقب عملية "طوفان الأقصى"، التي وقعت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بدأت إسرائيل بتطويق قطاع غزة من جميع الجهات، وتشديد الخناق على المقاومة، وأصبح محور فيلادلفيا إحدى أهم المناطق الاستراتيجية المستهدفة في الخطة الإسرائيلية لعزل القطاع، وأخذت الضربات الجوية تقصف الخط الحدودي الفاصل بين مصر وغزة، ولا تزال تتحكم فيه عسكرياً إلى الآن، وتعمل على إبعاده من جدولة المفاوضات.
اليوم ترفض فصائل المقاومة، وخاصة حماس، وجود قوات إسرائيلية على محور فيلادلفيا ليس فقط لكونه منطقة استراتيجية، ولا لأن الجيش الإسرائيلي يعيد تطويق غزة ويمنع دخول المساعدات إليها ويفصلها عن العالم، ويزيد في اختناقها، وإنما أيضاً لأن إسرائيل تلغي من الناحية العملية كل اتفاقاتها مع الفلسطينيين، وخاصة اتفاقية أوسلو.
كما ترفض مصر، مدعومة من بعض الدول العربية، وجود أي قوات إسرائيلية في محور فيلادلفيا المتاخم لحدودها، حيث لا يحق لإسرائيل -حسب الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين- مخالفة الترتيبات الأمنية القائمة من دون موافقة مصر، كما لا يحق لها أن توظف معاهدة السلام لأجل تحقيق مكاسب عسكرية كالتي تسعى إليها في الوقت الراهن، والتي قد تؤدي إلى انهيار المفاوضات الدائرة حالياً، وربما تدفع إلى إعادة النظر في اتفاقية السلام بينها وبين مصر، بحيث تتجهان إلى توتر مرشح إلى التصعيد نحو أعمال عسكرية خاطفة، وليس بالضرورة أن يكون حرباً شاملة واسعة النطاق.