هل الإنسان خيّر بطبعه أم شرير؟ لطالما شغل هذا السؤال بال علماء الاجتماع وشكل مادة جدلية "دسمة" بين الفلاسفة، غير أن أنجلينا جولي حاولت الإجابة عن هذا السؤال بسعيها لتأدية دور الشريرة في فيلم ماليفسنت، حتى تؤكد بأن الإنسان ولد خيًراً غير أنه قد يصبح شريراً بسبب ظروف أقوى منه.

فيلم "ماليفيسنت" (أي الشريرة)  الذي يعرض حالياً في صالات السينما، هو نسخة جديدة عن الفيلم الشهير "الأميرة النائمة" من إنتاج "والت ديزني"، لكن "ماليفيسنت" يذهب بالقصة باتجاه مختلف كلياً، ليسلط الضوء على الساحرة الشريرة التي رمت لعنتها على الطفلة أورورا لتنام بمجرد إن تبلغ سن الرشد نوماً عميقاً، يشبه الموت بانتظار أمير ما ليوقظها.

تأثر جولي بشخصية ماليفيسنت، قد يفسر أسباب التعب الذي تحملته أثناء أدائها الشخصية أمام الكاميرا، لتعترف بأنها كانت واحدة من أصعب الشخصيات التي قدمتها خلال مسيرتها السينمائية، وردت السبب إلى محاولتها إبراز كافة الجوانب الإنسانية الموجودة لدى البطلة الجنية ماليفيسنت.

نجحت القصة في شد المشاهدين نظراً لاختلافها عن الرواية الأصلية، إذ يعالج الفيلم أسباب تحول هذه الجنية إلى الشر وهي التي كانت طيبة في البداية، لكن خيانة حبيبها ستيفان (شارلتو كوبلاي) لها، والذي يقص جناحيها ويستولي على مملكتها، دفعتها إلى الانتقام منه من خلال ابنته أورورا. كذلك براعة تمثيلها مكن أنجلينا جولي من إقناع المشاهدين بقدرتها على التحول من جنية خيرة إلى ساحرة شريرة تخيف الأولاد بردائها الأسود وجناحيها الضخمين وقرنيها المدببين وعينيها الجاحظتين.

لعبت أنجلينا في هذا الفيلم واحداً من أجمل أدوارها، إذ أعادت حياكة الشخصية الشريرة في الفيلم الشهير "الأميرة النائمة" الذي عشقه الأطفال والكبار من مختلف الأجيال المتتالية منذ صدوره الأول في الصالات عام 1959، وذلك بتمثيلها البارع وإحساسها المرهف مقدماً نجاحاً ما يوازي النسخة الأصلية إن لم يكن يفوقه نجاحاً.

قد تكون إحدى مميزات شركة "والت ديزني" ومن أسباب نجاح أفلامها على مر السنين، أنها تحرص على تحميل أفلامها معان إنسانية، كما تطور أدواتها وشخصياتها وفق تطور الزمن، وتقدم نماذج متمردة وشريرة إلى جانب الهادئة والخيّرة مستفيدةً من التقنيات الرقمية التي تتميز بها ستوديوهات هوليوود.

وفي هذا الفيلم وباختيار أنجلينا جولي بطلة له، تحمل ديزني نيّة واضحة لتغيير الأفكار السابقة التي صنعتها على مدى أجيال في شأن الحب والخير، غير أنها حرصت على هويتها الأساسية من خلال بدء القصة بـ "كان يا مكان" وختامها بـ "عاشوا في تبات ونبات".

ومهما اختلفت الآراء حول نجاح أنجلينا جولي في هذا الدور المتأرجح بين الخير والشر، لا شك أنها حاولت تقديم شخصية ماليفيسنت الأصلية، التي تمتلك الأمل، وتمارس الشر بطريقة لا تخلو أبداً من الطرافة، وحاولت أن تبين كيف تحولت إلى شريرة والظروف التي أجبرتها على ذلك.

فيلم أنجلينا جولي الجديد يذكرنا بما قاله يوماً الفيلسوف الألماني نيتشه: "على الذي يريد أن يكون خلاقاً في الخير كما في الشر، أن يتقن قبل كل شيء فن الهدم، وتفجير القيم".