يهود أثيوبيين يرفعون صورة تيكا الذي قتل برصاص شرطي إسرائيلي (أ ف ب)
يهود أثيوبيين يرفعون صورة تيكا الذي قتل برصاص شرطي إسرائيلي (أ ف ب)
الجمعة 5 يوليو 2019 / 00:25

العنصرية في إسرائيل..تاريخ طويل متأصل في دولة الاحتلال

24 - بلال أبو كباش

كان مقتل الشاب اليهودي من أصول إثيوبية سولمون تيكا يوم الأحد الماضي، برصاص شرطي إسرائيلي خارج أوقات عمله، القشة التي قصمت ظهر البعير، والشرارة التي أشعلت عداء اليهود الإثيوبيين ضد الدولة العبرية التي تمارس أقسى سياسات العنصرية عليهم بسبب لون بشرتهم الأسود.

لم تتوقف مضايقات الشرطة الإسرائيلية لذوي البشرة السوداء منذ قدومهم إلى إسرائيل، ويعترف اليهود الإثيوبيين بأنهم يعيشون في خوف دائم من العداء المتنامي ضدهم، والنظرة العنصرية، إذ تصنفهم الدولة العبرية تحت بند "الغرباء"، إلى جانب عنصرية مؤسساتية ممنهجة نظراً للون بشرتهم، رغم أن أعداد اليهود من أصول إثيوبية في إسرائيل تجاوز140 ألف شخص، بينهم أكثر من 50 ألفاً ولدوا في إسرائيل، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية.

لم يكن سولمون اليهودي الإثيوبي الوحيد الذي يلقى حتفه برصاص الشرطة الإسرائيلية، فقبله قتلت الشرطة اليهودي من أصول إثيوبية يهودا بيدغا في يناير(كانون الثاني) الماضي، واعتدت بالضرب المبرح على الإثيوبي داماس باكدا في 2015، ما أثار احتجاجات عارمة.

في 2016 نشرت لجنة "بالمور" تقريراً عن العنصرية ضد الإثيوبيين في إسرائيل عقب احتجاجات اندلعت في 2015، وقالت إن "الشرطة الإسرائيلية تضطهد اليهود الإثيوبيين، وتعاملهم بقسوة، وتعتقلهم وتوجه لهم اتهامات مزيفة، وتسجنهم دون حق"، وفق ما نشرت صحيفة "جيروزالم بوست" يوم الإثنين الماضي.

مديرة منظمة "فيدل" غير الحكومية، التي تعنى بمساعدة المجتمع الإثيوبي في إسرائيل ميكال أفيرا صموئيل، قالت: "رغم بعض التحسينات لا يزال أفراد الشرطة الإسرائيلية يتحاملون على الإثيوبيين بسبب لون بشرتهم، كما أن الشرطة تحاول تصوريهم على أنهم مجتمع عنيف في سعي منها لاغتيال شخصية المجتمع الإثيوبي في إسرائيل".

وتشير التقارير، إلى أن نسبة اعتقال الشرطة الإسرائيلية للقصر بين اليهود الإثيوبيين بلغت 5.4% من مجموع المعتقلين في الأعوام القليلة الماضية، رغم أن المجتمع الإثيوبي لا يمثل سوى 1.7% من السكان في إسرائيل.

يهود سود في بلد أبيض
شبكة "سي أن أن" الأمريكية أكدت في تقرير نشرته الخميس، أن اليهود الإثيوبيين اشتكوا منذ قدومهم لإسرائيل من معاملتهم باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، "يهود سود في بلد أبيض"، معتبرةً أن موت تيكا رفع الحقد المتصاعد من الإثيوبيين على الدولة الإسرائيلية إلى الغليان.

وصل معظم اليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل بعد اعتراف الأخيرة بهم في 1975، عبر موجتي هجرة كبيرتين الأولى عرفت باسم عملية موسى في 1984، والثانية عرفت بعملية سليمان في 1991 واستغرقت 36 ساعة واستخدم فيها طائرات مدنية وعسكرية لنقل أكثر من 14 ألف إثيوبي.

وبحسب المشروع الإثيوبي الوطني، وهي منظمة تعنى بتعزيز دمج الإثيوبيين في المجتمع الإسرائيلي، فإن اليهود الإثيوبيين يعانون من معدلات فقر أعلى مقارنةً بسكان إسرائيل الآخرين، كما أنهم يشتكون من تراجع معدلات توظيفهم، في حين يقل متوسط دخلهم عن عامة السكان في إسرائيل.

الصحافي الإثيوبي داني أدينا أبي، أكد في تقرير بصحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم الثلاثاء، أنه "ليس هناك يهودي واحد من أصل إثيوبي لم يتعرض للعنصرية في إسرائيل بسبب لون بشرته"، مشيراً إلى أن "كل إثيوبي تعرض لمعاملة قاسية في إسرائيل، كما تعرض لعنصرية لفظية، أو اعتداء مباشر من أحد أفراد الشرطة".

رفض الدم الإثيوبي
ومن صور العنصرية البارزة ضد الإثيوبيين في إسرائيل، رفض تبرعهم بالدم للمؤسسات الصحية، وفي  ديسمبر(كانون الأول) 2013، أثار رفض طلب عضو الكنيست الإسرائيلي الإثيوبية بنينا تمانو شتا، البالغة من العمر 32 عاماً، التبرع بدمها عند زيارة مصلحة الإسعاف غضباً في المجتمع الإسرائيلي، وتمنع معايير وزارة الصحة الإسرائيلية منذ 1977، مواليد معظم البلدان الأفريقية، من التبرع بالدم "خوفًا من احتمال حملهم فيروس نقص المناعة المسبب للإيدز".

وفي يناير(كانون الثاني) 2012، اقتحم نحو 3 آلاف إسرائيلي من أصل إثيوبي مقر الكنيست الإسرائيلي، احتجاجاً على العنصرية والتمييز ضدهم، هاتفين "نتانياهو.. متى ستستنكر العنصرية؟"، وجاءت الاحتجاجات إثر رفض تجمعات لليهود البيض في جنوب إسرائيل بيع أو تأجير بيوت لليهود الإثيوبيين.

نموذج للعنصرية
لا تعد العنصرية في إسرائيل حكراً على الإثيوبيين، فالدولة العبرية منذ تأسيسها قامت على أساس عنصري، ويؤكد "المركز الفلسطيني للإعلام" في دراسة نشرها في يوليو (تموز) 2017، أن الصهيونية استمدت عنصريتها من اليهودية والعنصرية في أوروبا، أين تأثر المؤسسون الصهاينة بالعنصرية في ألمانيا، وتبنوا مقولات فريدريك نيتشه عن التفوق الآري واستبدلوا الآري باليهودي، وصبغوا الصهيونية بالعنصرية والتمييز العنصري، والاحتلال الاستيطاني باستغلال الدين اليهودي.

وتؤكد الدراسة، أنه لا مبالغة في القول إن "إسرائيل، سياسياً واجتماعياً وقانونياً، تمثل نموذجاً للدولة والمجتمع العنصري، وتنطبق عليها بدقة تعريفات وتطبيقات النظريات العنصرية، إذ تحفل الكتب الدينية اليهودية بعدد كبير من النماذج العنصرية التي تتجلى بشكل رئيس في الموقف من الآخر، أي غير اليهودي، أو الأغيار أو الغوييم، حيث تدعو الشريعة اليهودية وتعاليمها إلى "الهالاخاه" أي التمييز بين اليهودي وغير اليهودي في كل مجالات الحياة".

فوقية "الأشكناز"
المجتمع اليهودي يتكون من 4 مجموعات طبقية رئيسية هي "السفارديم" وهم يهود إسبانيا، والبرتغال الذين طردوا نهما بعد سقوط الأندلس واتجهوا إلى الدولة العثمانية، أما الثانية فيهود المشرق العربي والعالم الإسلامي، أما الثالثة  فهي"الأشكناز" ويمثلون 85% من إجمالي اليهود في العالم أجمع وهم الذين جاؤوا من أوروبا وروسيا، أما المجموعة الرابعة فهم يهود "الفلاشا" القادمون من إثيوبيا.

ويؤكد المدون الفلسطيني مجد أبو ريا في دراسة نشرها في مارس (آذار) الماضي، أن اليهود "الأشكناز" سيطروا على مقاليد الدولة بعد تأسيسها، التي مُثلت لاحقاً بحزب "العمل" ذي التوجه الاشتراكي، وبدأت التحولات على الساحة السياسية الإسرائيلية منذ حرب 1967، وبعد حرب أكتوبر 1973، حدثت تغيرات مع وصول "حزب الليكود اليميني" إلى السلطة، وفرض سيطرته على الحكم.

ويضيف أبو ريا، "من المثير للاهتمام أن المجتمع الإسرائيلي الخمسينيات والستينيات، كان مجتمعاً أيديولوجياً مجنداً يقف وقفة رجل واحد ضد العالم العربي المحيط به، لكن الصراع العربي الإسرائيلي لم يسمح بالدمج الاجتماعي للمهاجرين الشرقيين بشكل كامل وتدريجي".

وحسب الدراسة، فأن الصراع يتجلى بين "الأشكناز" و"السفارديم" على الأيديولوجية والطبقية بين يهود الغرب ويهود الشرق، فـ"الأشكناز" هم الطبقة العليا في إسرائيل التي تتمتع بالغنى والهيمنة على المؤسسات السياسية والاجتماعية، والأكثر حصولاً على الأجور المرتفعة، مقارنةً مع اليهود "السفاريم" الذين يتقاضون رواتب أقل بكثير.

وينتشر التمييز في إسرائيل ضد كل ما هو غير "أبيض أشكنازي"، حيث إن الفكرة الصهيونية ظهرت في أوروبا بين اليهود البيض ولم تكن هناك رابطة حقيقية بينهم وبين اليهود العرب، لذا فعندما تم بناء الدولة الصهيونية كانت الطبقة الحاكمة والمسيطرة "يهودية أشكنازية" بامتياز، لكن الصدمة لليهود العرب والأفارقة أن الحال لم يتغير، فمثلاً كل رؤساء الوزراء الإسرائيليين من البيض الأشكنازية. وتؤكد الدراسات أن التمييز يعد أقسى على يهود "الفلاشا" الأفارقة، فكل الأرقام المتعلقة بالتعليم والصحة والمساعدات الاجتماعية والعمل تثبت تفاوتاً رهيباً بينهم وبين بقية اليهود.

منفيين..وغرباء
ويختلف المؤرخون حول جذور الطائفة اليهودية الإثيوبية "الفلاشا"، فهي اسم يطلق على اليهود من أصل إثيوبي، ويعني باللغة "الأمهرية" المنفيين أو الغرباء، وقد رُحل عشرات الآلاف منها إلى إسرائيل، لتعزيز ديمغرافية الاحتلال، وتكريس الطابع اليهودي لإسرائيل، لكنها واجهت أوضاعاً عنصرية وتم استغلالهم في الأعمال البسيطة مما دفعها للاحتجاج على الحكومة في مايو (أيار) 2015.

"قانون القومية"
من أبرز القوانين العنصرية التي سنتها إسرائيل، "قانون القومية" الذي أقره الكنيست عام 2018، ويعتبر إسرائيل الوطن القومي لليهود والقدس عاصمة إسرائيل، وتشدد بنود القانون على أن الرموز اليهودية والصهيونية هي الأساس في النشيد الوطني وعلم الدولة، مع منح الأفضلية للطابع اليهودي على النظام الديمقراطي، على أن يضمن التشريع لكل مواطن ودون تمييز الحفاظ على ثقافته وتراثه، وتكون الدولة صاحبة الحق في إقامة بلدات خاصة بالمجموعات الدينية وأبناء القومية الواحدة.

عنصرية لغوية
ويتضمن مشروع القانون بنداً يسمح بإقامة بلدات لليهود فقط، ومنع غير اليهود من السكن فيها، كما يعطي القانون الجديد مكانة عليا للغة العبرية، باعتبار أنها "لغة الدولة"، أما اللغة العربية فسيكون لها "مكانة خاصة" وتوفر للمتحدثين بها المثالية لخدمات الدولة.

عنصرية ضد الفلسطينيين
مارست إسرائيل عنصرية ممنهجة ضد الفلسطينيين، خصوصاً في الضفة الغربية وقطاع غزة، ووضعت لتلك العنصرية أطراً قانونية ترعاها عرفت بقانون "هافرادا"، وتجليات هذا الفصل العنصري واضحة للعيان في الضفة الغربية حيث يعيش اليهود الإسرائيليون في مستوطنات بين مدن الضفة بشكل مغاير للمواطن الفلسطيني، حيث يحق لهم استخدام طرق معبدة مخصصة لهم فقط، ويحظون بمميزات أمنية منها حق حمل السلاح الذي يحظر على الفلسطينيين.

كما تعطيهم الدولة العبرية تسهيلات في عملية البناء في حين ينازع فلسطينيو المناطق (سي) للحصول على تراخيص بناء وتهدم بيوتهم بشكل ممنهج، ويعد الماء أيضاً من أشكال التمييز العنصري المهمة، حيث يحظى المواطن الفلسطيني بـ73 لتر ماء سنوياً وهو أقل من الحد الأدنى للشخص الذي أقرته منظمة الصحة العالمية، في حين يحظى المواطن الإسرائيلي في مستوطنة تبعد أمتاراً عن قرية فلسطينية بنحو 369 لتر ماء، بالإضافة للكثير من الاجراءات والقوانين العنصرية.


اضطهاد عرب 48
أما النوع الثاني يكمن في العنصرية ضد الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية ويعيشون بداخلها، فمثلاً يحظر عليهم شراء أو استئجار الممتلكات الخاصة بالوكالة اليهودية أو الصندوق القومي اليهودي. وحتى عند صدور حكم قضائي بالسماح لهم بالشراء، بقي القرار نظرياً وقد كتب الصحفي البريطاني كريس مجيل، مقالاً في صحيفة "الغارديان" يؤكد أن هناك الكثير من العقارات المحرمة على غير اليهود. ويعاني فلسطينيو "إسرائيل" من التمييز بأمور عدة مثل التعليم والصحة والخدمة العسكرية بل وحتى في هويتهم، ظهر تقرير حكومي إسرائيلي يؤكد أن الدولة تصرف بمعدل الضعف على تعليم اليهود مقارنة بالعرب.