رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الإثنين 17 أغسطس 2020 / 12:30

رسالة هادئة إلى الشعب الفلسطيني وقيادته

ماذا استفاد الفلسطينيون من مزايدات استمرت نحو خمسة وسبعين عاماً غير مزيد من ضياع الحقوق كل يوم؟ وماذا حققت التشنجات والخطب الجوفاء غير تردي أوضاع الشعب الفلسطيني وتعميق مأساته؟

وكيف لهم أن يحصلوا على أي مكسب وهم مقسمون شيعاً وأحزابا متناحرة، ويخسرون التعاطف والتأييد الدولي بسبب الاختيارات الخاطئة التي أدمنوها عقوداً طويلة، ليكونوا مشاركين في صنع المأساة الفلسطينية عن عمد أو عن جهل؟

الاتفاق الثلاثي بين دولة الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل حقق أول مكسب فعلي للفلسطينيين، وقضيتهم منذ وقت طويل لم يعرفوا خلاله إلا الخسارات والانكسارات، فقد أوقف الاتفاق، خطة الضم الإسرائيلية التي لا يوجد لدى القيادة الفلسطينية أي أوراق فعليه لمنع تنفيذها.

وبدل أن تستمع القيادة الفلسطينية لصوت الحكمة فإنها لا تزال تطارد الأوهام والشعارات الفارغة من المضمون.

استدعاء السفير الفلسطيني لدى دولة الإمارات والهجوم الأهوج وغير المبرر على رموزها وقادتها، يمثل استمراراً للطريقة ذاتها التي أوصلت الفلسطينيين وقضيتهم العادلة إلى ما هي عليه من تراجع.

وإذا كان هذا النمط من السلوك قد أثبت أنه وصفة لضياع الحقوق الفلسطينية فلماذا الإصرار على تكراره؟ ولماذا لا يستكشف الفلسطينيون آفاق الحلول التي ينطوي عليها دخول دولة الإمارات طرفاً فاعلاً في القضية، وتوظيفها قدرتها ومكانتها الدولية وتأثيرها الواسع لمنع القضية الفلسطينية من أن تذوي وتذبل ويطويها النسيان؟

فلنقل بوضوح إن السفير الفلسطيني سيعود بعد أشهر أو بعد عام أو أكثر، وستكون السلطة الفلسطينية هي التي تسعى إلى ذلك وتطلبه لأنها هي التي يحتاج إلى الدعم والمساعدة، لكن السفير الفلسطيني حين يعود لن يجد الأمر كما هو عليه الآن، لأن حملات الحقد والكراهية التي ستنطلق دون وعي ستترك ندوباً يصعب محوها، وطوفان الحمق الذي تغذيه أطراف مشبوهة سيستدعي رداً حين يتجاوز الأمر حده.

وبدل أن تستثمر القيادة الفلسطينية اليد الإماراتية التي تمتد إليها بالدعم والمساندة، فإن غاية ما ستسعى إليه وقتها هو معالجة الأخطاء التي ارتُكبت، ولا يعلم أحد كيف سيكون الوضع وقتها، لأن الظرف الملائم لدعم الحقوق الفلسطينية ربما يكون قد تغيّر.

تحتاج القيادة الفلسطينية إلى وقفة صريحة للمكاشفة ومحاسبة الذات بتجرد ومسؤولية، وإلى شجاعة اتخاذ القرار الذي يمكن أن يُحدث الفارق في القضية ويقربها من هدف إقامة دولتها، ومن المؤسف أن هذه القيادة تختار بدلاً من ذلك أن تسيء إلى دولة الإمارات التي ساندت الحقوق الفلسطينية بكل ما تملك من قوة، وفتحت بابها لمئات الآلاف من الفلسطينيين ليعيشوا ويعملوا على أرضها معززين مكرمين، وقدمت الدعم والمساعدة للقضية الفلسطينية بكل الطرق الممكنة لأكثر من ستة عقود، رغم الجحود والنكران اللذين كانت تُقابل بهما الدولة من جانب أطراف فلسطينية غير مسؤولة في كثير من الأحيان.

لقد أعلنت دولة الإمارات أن علاقاتها مع إسرائيل ستكون قوة دفع للحقوق العربية، وستشكل عامل ضغط على إسرائيل بعد أن أفضت الطرق السابقة إلى فشل ذريع وهزائم منكرة.

والغريب أن القيادة الفلسطينية تمارس أعلى درجات التنسيق وتمتلك أقوى العلاقات مع إسرائيل منذ ثلاثة عقود تقريباً، وفي الوقت ذاته تُنكر على دولة الإمارات حقوقها في مستوى أقل من ذلك بكثير من العلاقات مع إسرائيل، بهدف حماية الأمن القومي العربي من اختراقات مُدمرة من جانب تركيا، وإيران ووكلائهما في الداخل العربي.

وإذا كانت القيادة الفلسطينية قد اختارت الانخراط منذ وقت طويل في جهود السلام، فما هو مبرر حرمان الفلسطينيين من وجود دولة عربية داعمة لحقوقهم من امتلاك تأثير أكبر في هذه العملية المتعثرة؟

لا يزال لدينا أمل في أن يحتكم الفلسطينيون وقيادتهم إلى صوت العقل في أقرب وقت ممكن، وأن يؤدي حوار مسؤول في الداخل الفلسطيني على مستوى الشعب والقيادة إلى رؤية أكثر رشداً، ونحن نعرف أن قطاعات واسعة من الفلسطينيين ترى في موقف دولة الإمارات فرصة قد لا يمكن تعويضها إذا أهدرت، لكنهم يُضطرون إلى الصمت في ظل جنون التخوين، والتشكيك، وصراخ المخدوعين، والمنتفعين.

وعلى هامش هذه الرسالة إلى الشعب الفلسطيني والقيادة الفسطينية، تجدر الإشارة إلى أن أوضح مثال على النفاق والتلون، يتجسد في ردود الفعل الغبية من جانب "حماس" وأبواقها التي لجأت إلى أحط أنواع الهجوم على دولة الإمارات بدعوى إقامة العلاقات مع إسرائيل، في حين أن قادة "حماس" ومرتزقتها يسبحون بحمد قطر التي لم تتوقف علاقاتها يوماً بإسرائيل، فعلى من يكذب هؤلاء البائسون؟ وكيف يمكن للفسلطينيين أن يثقوا بهم؟