الجمعة 8 يوليو 2022 / 19:11

دروس من محمد العيسى للجماعات المتشددة وعيديته

المتضررون من نجاحات رؤية 2030 السعودية، هم من عاشوا لعقود مستفيدين من الخلط الحادث بين الدين بما هو أبدي، وبين قراءته وتفسيراته البشرية المؤقتة.

الشيخ محمد العيسى عضو هيئة كبار العلماء أمين عام رابطة العالم الإسلامي، بعلمه ومعرفته، هو حامل المصباح الذي يكشف زيف الصورة النمطية لـ"رجل الدين" التي روجت لها الجماعات الإرهابية طويلاً، ويضرب أجزل الأمثلة بمواقفه النيرة، كاشفًا الفروقات بين ما هو إلهي دائم وبين ما هو بشري مؤقت.

واختياره خطيباً ليوم عرفة حمل ضوء مصباحه ليصل إلى العالم الإسلامي كله، وهو أيضاً تقدير للدور الذي يقوم به في نشر صحيح الدين وإعمال مبدأ الوسطية والاعتدال.

ويمكن تتبع هذا الدور في خطبة الشيخ محمد العيسى اليوم في حجاج بيت الله الحرام، في حديثه عن أخلاق الإسلام وضرورة "التصدي للمفاهيم المغلوطة عن الإسلام"، و"البعد عن كل ما يؤدي إلى التنافر والبغضاء والفرقة، وأن يسود تعاملاتنا التواد والتراحم"، فالرجل لا يتحدث إلا عن كل ما يجمّع على الخير، وكل ما يلم الشمل، تماماً كما تدعو أخلاق الإسلام.

وحين نطالع اليوم هذه الحملة المتشددة الشرسة على الشيخ العيسى، وحين نتتبع الوجوه والتنظيمات التي تقف وراءها وتدعمها، ندرك أهمية ما يمثله هذا العالم الجليل من قيمة كبيرة للإسلام، وما له من دور مهم في مواجهة التطرف والانعزالية والتشدد.

ولسنا نبالغ عندما نقول بأن هذا الهجوم المصطنع الذي يشنه دعاة التطرف على العالم الجليل ليس مستغرباً، فهكذا عهدناهم على الدوام، وهكذا عرفناهم طيلة السنوات الماضية، لم يطئوا أرضاً خضراء إلا وتركوها رماداً، لم يدخلوا مكاناً إلا وخلفوا الخراب خلفهم، لم يدعوا عالماً أو مفكراً أو شيخاً وطنياً مستنيراً إلا وأطلقوا تخرصاتهم، لتشويهه تارة، ولقتله معنوياً تارة أخرى.

لقد أغضبهم أن يكون خصمهم أمام العالم كله رجلٌ في كفاءة ومقدرة الدكتور محمد العيسى، بتكوينه العلمي الرصين، وهو الحاصل على الدكتوراه في الدراسات القضائية المقارنة، من المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبع الرسالة وتداولها. والمتخصص في الشريعة والقانون الدستوري والإداري، الذي أمضى سنوات يدرّس مادة الشريعة والقانون في الجامعات السعودية، أنجز خلالها مؤلفات ومقالات بارزة في الشريعة والقانون، وناقش العديد من القضايا الفكرية، وأشرف على العديد من رسائل الدكتوراه والماجستير وناقشها وألقى العديد من المحاضرات في جامعات ومؤسسات فكرية عالمية.

إن اختياره خطيباً ليوم عرفة، أمر يقلقهم لأن الرجل ليس من شيوخ التاريخ المرددين للفقه البشري من دون مراجعة عقلية منضبطة في إطار الفهم الصحيح للدين نفسه، الذي وضع العقل -كما أمر مانحُ العقل- وسيطاً يزن الأمور ويفتح السكك لتطبيق معاصر لرسالة الدين، يتجدد لتظل رايته تُظلل الناس في كل عصر بما تحمل من آيات الخير والجمال والتسامح للإنسانية جمعاء.

لكن ما لا تعرفه الجماعات الإرهابية وأذنابها أن الشعوب العربية والمسلمة تعلمت الدرس، بعد أن ذاقت خلال العقد الماضي الأمرّين من كذب الجماعة الإخوانية وتضليلها وبيعها الإفك باسم الدين، والدليل على هذا تصدي دعاة وكتاب وأكاديميون ومثقفون، دفاعاً عن خطيب عرفة، وما يمثله بعلمه ومعرفته وقدرته على التفرقة بين الدين والفقه التاريخي.

ثمة دروس كثيرة مستفادة هنا، أولها أن السحر قد انقلب على الساحر، فقد سعت الجماعات الإرهابية من خلال حملتها على الشيخ محمد العيسى إلى تشويه صورته، مستغلة أكبر تجمع للمسلمين في يوم عرفة، لكن ما حدث هو أن صورتها انكشفت للجميع، ووضحت حقيقة مآربها وسوء طويتها، وصار يوم عرفة يوماً لهزيمتهم.

ثاني الدروس هو أن اختيار المملكة العربية السعودية للشيخ العيسى لإلقاء خطبة عرفة التي يتابعها أكثر من 1.7 مليار مسلم حول العالم، هو رسالة في حد ذاته، رسالة تؤكد انحياز المملكة للوسطية والاعتدال، وأن القيادة السعودية لا تختار إلا من فيه الخير، وإن اختارت فلا تعود عن قرارها مهما حدث، لأنها تبني رأيها واختيارها على ثقة ومعرفة وخبرة.

ثالث الدروس هو أن هذه الحملة الإرهابية المدفوعة الأجر أعطت الشيخ محمد العيسى الثقة بأهمية الاستمرار في دوره المهم في تفكيك الخطابات الأيديولوجية للجماعات الإرهابية، والعمل على تقويضها وتحذير الناس منها، فهي جماعات لا يؤمَن جانبها أبداً، ويجب كشف مخططاتها ضد الإسلام والشعوب الآمنة.

أما آخر الدروس وأكبرها، فهو درس للجماعات الإرهابية على كافة أشكالها، درس يقول لها إنها قد انكشفت تماماً، وإن كل مخططاتها فشلت، وكل حملاتها صارت توأد في مهدها، لأن الجميع أصبح يعي خطرها ودروها المشبوه في تشويه الحقائق، وأن ألعابها للي عنق الحقيقة وبيع الأباطيل باسم الإسلام لم تعد تجدي نفعاً. إنه درس بليغ من كلمتين بلساننا جميعاً: "أفلست الجماعات المتشددة وإلى الأبد".

اليوم ونحن نهنئ العالم الاسلامي بعيد الأضحى المبارك؛ نهنئ أنفسنا على هذه الخطوة الحضارية الكبيرة التي تعزز مساعي التجديد وتُغلِّب صوتَ العقل على النقل، وتضرب للعالم نموذجاً في التفرقة بين الدين والفقه التاريخي للدين.
أعاد الله على الأمة الإسلامية والأسرة الإنسانية الأعياد بالخير والبركة والتسامح.