الثلاثاء 4 يونيو 2024 / 14:25

مصطفى سعيد لـ24: جائزة الشيخ زايد تعيد الأمل للأمة

يتجلى إبداع الموسيقي المصري د. مصطفى سعيد، في أكثر من حقل، فهو ملحن ومغنٍّ وعازف عود وباحث، نال مؤخراً جائزة الشيخ زايد فرع تحقيق المخطوطات عن كتابه "سفينة المُلك ونفيسة الفلك (شهاب الدين) الموشّح وموسيقى المقام بين التنظير والمراس".

لكن ما الذي قاربه في هذا التحقيق وما هي المعوّقات التي واجهته؟

سنتعرف عليه في هذا الحوار: 

هل توقعت نيل جائزة الشيخ زايد عن تحقيقك لكتاب "سفينة المُلك ونفيسة الفلك"؟

هل من جوائز تُعطى على تحقيق المخطوطات فأتوقّع جائزة؟ هذه جائزةٌ- أحسبها والله أعلم- جديدة في مجالها، غير مسبوقة في بلادنا. أرجو أن تستمر وأن يُحذى حذوها في العلم والعمل في مختلف الفنون العاكسة لثقافة وحضارة الأمّة. فالشكر (كلّ الشكر) لكل من فكر وساهم أن تعطى جائزة في تحقيق المخطوطات، فهو فرع يسهم في بعث الأمل في الأمة، وتقدّمها، واستمرار حضارتها، فتأخذ مكانها الحقيقي والطبيعي بين حضارات الأمم.

هل من بقعة ضوء حول أهمية ما فعلته في تحقيقك لكتاب ضخم، حتى نلت هذه الجائزة التي خصتك بها لجنة التحكيم؟

لم يكن تحقيقاً تقليدياً، فغير العمل الشاقّ لأيّ محقّقٍ يُراعي ضميره في التحقيق، لم يُكتَفَ في هذا التحقيق بالعلم، بل قُورِبَ بالعمل، فحُصِرَتْ المقامات والضروب والألحان، ما بَقِي وما انقرض. ثمّ حدّدْنا فترة زمنية لبواكير التسجيلات، فوضعنا بين يدي القارئ ما توصلنا له (سمعاً) بين المُثبت كتابةً، والمسجّل سمعاً. ثم رتّبنا هذه النتائج بوسائل عدة، فيعلم القارئ ما درج على ألسن أهل النغم، وما اشتُهر بين السمّيعة، إلخ. هذا خارج عن الإحصاء والوصف لسائر الضروب والمقامات والأشكال الواردة في السفينة. كل هذا العمل لا علاقة له بالتحقيق المعتاد من إثبات الشعر والنغم والأماكن وتتبعه في مصادره إن كان مقتبساً، إلخ.


ما المعوّقات التي واجهتك في تحقيق الكتاب، وكم استغرق منك إنجاز هذا الجهد؟

بدأت العمل على السفينة حين أحسست بحاجتي النغمية إليها، أذكر أن هذا كان في صيف 2006. قصرت العمل، آنذاك، على القسم النظري من السفينة. حين درست التوثيق الصوتي للمادة المسجلة القديمة، وهو تخصص- مع الأسف- لم ينتبه إليه أحد فيما يختص بالتسجيلات العربية، فوجدتُ أن شيئاً من الفكر العلمي الوارد في هذه السفينة مُنعكِسٌ في هذه التسجيلات المبكرة. ووجدت فيها أيضاً ما علّمنيه مشايخي صغيراً، وأهملته معاهد ومدارس النغم في بلادنا.
كان صعباً الحصول على نسخ بعينها من السفينة أردتُ الحصول عليها. وكان صعباً عشوائية الحصول على التسجيلات القديمة. فهذا يضاعف الجهد المبذول في الإحصاء أضعافاً مضاعفةً. فلو اهتمت دولة أو مؤسسة عامة بالنغم في بلادنا بصفته ظاهرة أدبية، وعليه، فبواكير التسجيلات ضمن ذاكرتنا الأدبية، لسهّل على كل محبّ للنغم وباحث فيه (علماً وعملاً) أموراً كثيرةً.

هل تنال الكتب التراثية التي تتقاطع بشكل أو بآخر مع سفينة الملك، من جهة القيمة، الاهتمام البحثي على الصعيد الأكاديمي الممنهج، أم أن الكتب، متروكة للمبادرات الشخصية، وهل نالت السفينة نفسها من هذا شيئاً؟

جل العمل البحثي في النغم (في بلادنا) إما في إطار جامعي، توضع على أرفف مكتبات الجامعات وفي مخازنها، أو مبادرات شخصية، أو بعض العمل العاطفي القائم على الحنين لهذا النوع من النغم أو ذاك، أو هذا العصر أو ذاك.

لديك فرقتك الموسيقية التي تقدم بعض الأعمال التي تعتمد على الشعر التراثي ومن ألحانك، متى تم تأسيسها وعلى أي أساس؟

تأسست "مجموعة أصيل" للموسيقى العربية المعاصرة، لأداء الموسيقى الفصحى (الكلاسيكية) العربية المعاصرة. شعراً: أدت المجموعة شعراً قديماً ومعاصراً. نغماً: نحاول فيها التجدّد من الداخل. فقد وصل الأمر بنغمنا/ في رأيي/ منذ قرابة قرن، أن مفردة "تجدّد" أمست مرادفاً لـ"استيراد"، فكلما كان الشائع نهجاً ما في النغم، جِيء به خلطاً مع النغم العربي، وقال الآتي به: أطور الموسيقى العربية. أُجدّد الموسيقى العربية بالموسيقى الأوربية الكلاسيكية، ثم بالجاز فالروك، فكل دارج شائع. قلما سمعنا أحداً يقول: أُجدّد الموسيقى العربية من ذاتها. فهذا ضبطاً عمل مجموعة أصيل، وهذا ما كرّستُ له حياتي علماً وعملاً.

ملتقيات نغمية
ما هي أبرز حفلات أو محطات الفرقة، في أية تظاهرات أو مهرجانات ثقافية شاركتم بها؟

لـ "مجموعة أصيل" أربعة إصدارات وعملان يصدران قريباً بالمشيئة. أولها "رباعيات الخيام" 2008، وآخرها "توحّد" 2016. أحيت المجموعة أمسيات في ثلاث قارات، وشاركت في العشرات من الملتقيات النغمية، نخص منها ترتيباً من الأقدم:
ملتقى مقام: أذربيجان.
مهرجان ليالي المنامة الرمضانية: مملكة البحرين.
مهرجان أبوظبي للموسيقى الكلاسيكية: الإمارات العربية المتحدة.
مهرجان فاس للموسيقى الروحية: المغرب.
ملتقى سپولِتتو للموسيقى الكلاسيكية: إيطاليا.
مهرجان شبّاك: إنجلترا.
مهرجان بيروت ترنّم: لبنان.
وغير هذا عروض كثيرة في العديد من دور العرض والمسارح وقنوات الإعلام حول العالم.


ما الذي يأخذ وقتك أكثر، البحث أم التلحين وإحياء الحفلات، وما هي مشاريعك القادمة ؟

التدرّب والتعلّم والسمع والقراءة أكثر ما يشغل وقتي. ضمن عملي في بيت العود العربي، الرياض: سنصدر تحقيقاً وإعادة قراءة لـ "تحفة الموعود، بتعليم العود" لـ"محمد ذاكر بك". مع مجموعة أصيل: ستصدر الوصلة الأولى من "زوّار المقام" مع مؤسسة آغا خان للفنون. وسيصدر قريباً/ برعاية ودعم مركز أبوظبي للغة العربية/ أشعار أبي الطيب.

وقريباً أيضاً يصدر "النبع والغار" إصدار عزف عود منفرد، سُجِّل قسم منه بجوار نبع ماء، وقسم آخر في عمق كهف "غار" في العاقورة بـ"جبل لبنان". فهو رؤية صوتية جديدة للآلة والنغم ورحلة بين النغم والطبيعة.

مصطفى سعيد في سطور

أسس د. مصطفى "مجموعة أصيل الموسيقية عام 2003"، وهو أستاذ باحث: بيت العود، الرياض 2023، ومدير مؤسسة التوثيق والبحث (2009-2022).

جال، موسيقياً ومحاضراً، أكثر من 100 مدينة حول العالم. ونال جوائز أخرى سابقاً منها: الآغا خان: أداء موسيقي 2019، وملتقى مجام أذربيجان: تأليف 2009.