الإثنين 10 يونيو 2024 / 10:32

"معجم المؤلفين" لعيسى إسماعيل.. بين الإغفال والتحيز

المدقق لإصدارات دور النشر السورية سيلاحظ وجود محاولات عدة من قبل بعض الكتّاب السوريين في تأليف معاجم للأدباء، سواء بشكل عام أم خاص باللذين كتبوا في جنس أدبي محدد، كالشعر أو المسرح، أو القصة أو الرواية.

محاولة تعوزها الدقة

ومن ضمنها محاولات اقتصرت على كتّاب مدينة محددة، ورغم محدوديتها، إلاّ أننا نزعم أنها ستسهم لاحقاً في إعداد معاجم على مستوى القطر، لكن بشرط توافر الدقة والعلمية فيها، فهل توافرتا في كتاب " معجم المؤلفين" للقاص والروائي السوري عيسى إسماعيل؟
قارئ الكتاب سيلاحظ أن القاص عيسى إسماعيل كتب على غلاف كتابه "معجم المؤلفين" الصادر حديثاً، عن دار الإرشاد بحمص، أنه "أول معجم للمؤلفين وأعمالهم في محافظة حمص بين عامي (1950- 2021)، يقدّم معلومات مفّصلة عن سير المؤلفين وحيواتهم، ونشاطاتهم، ومؤلفاتهم، وأنواعها، وتواريخ صدورها، ودور النشر التي أصدرتها".

لكنّ هذا الادعاء غير صحيح، فهو ليس الأول وإلاّ ماذا نسمي كتاب "معالم وأعلام من حمص الشام" الصادر عام 2001، للباحثين "محمد فيصل شيخاني، وطارق إسماعيل كاخيا"، وقد ضم الكثير من الأسماء التي وردت في كتاب إسماعيل، وإن كان وفق تبويب آخر.

وثمة كتاب آخر بعنوان "من أعلام حمص" للكاتب محمد غازي التدمري، الذي توفي في مصر، ولم يقتصر على الأدباء فقط ونحى فيه منحى كتاب شيخاني وكاخيا، صدر بجزأين عن دار النشر ذاتها التي أصدرت كتاب إسماعيل.

عدم التزام

يعاني الكتاب مسألة علمية هامة وهي غياب المعيار لديه في ذكر اسم هذا المؤلف أو ذاك، وأولها عدم التزام إسماعيل بالمؤلفين من محافظة حمص، ففي الكتاب على الأقل اسم من محافظة اللاذقية وآخر من محافظة حماة، يقيمان في حمص بحكم عملهما، ولا يجوز ذلك بدليل أن الذي من محافظة اللاذقية ما إن انتهت سنوات خدمته حتى عاد لمحافظته، على خلاف المترجم الراحل خالد حداد، ابن محافظة اللاذقية، الذي ظل يعيش في حمص إلى حين وفاته، وورد اسمه في الكتاب.

وعلى سيرة الترجمة إن كان إسماعيل صاحب المعجم يرى أن المترجم مؤلفٌ فلماذا لم يذكر بقية المترجمين في حمص مكتفياً ببعض الأسماء فقط، في حين غابت أسماء كثيرة، وهي: زياد خاشوق، محمد الموحد، الراحل موسى عاصي، ندى الأزهري، الراحلة وفاء طقوز، حسيب كاسوحة، الناقد والمترجم الراحل د. فؤاد المرعي (درّس وعمل في كلية آداب حلب)، المترجم الراحل د. نزار عيون السود (عمل في وزارة الثقافة) وكانا على قيد الحياة وقت إصدار المعجم، المترجم ضيف الله مراد، المترجم للكتب العلمية د. سعد الدين خرفان، المترجم د. غياث الموصلي، المترجم الراحل د. ميشيل واكيم.

تغييب للسواح وتيزيني

ويعزز إسماعيل عدم وضوح معنى كلمة مؤلف لديه مرة أخرى حين يذكر اسم إحداهن وهي معدّة كتب مدرسية، والصحيح إدراج اسمها في عداد المعدّين لا المؤلفين. فإن كنا لا نعتقد بصواب إدراج المترجمين فهل سنعتقد بصواب إدراج المعدّين؟!
ثم إن نسي إسماعيل أسماء أدبية من مثل (الشعراء: الراحل محمد وليد المصري، فرج بيرقدار، نادين باخص، حكمة شافي الأسعد، عصام كنج الحلبي، نهاد رشيد، سوسن السباعي الجابي، ندى السلامة، إلهام برغل، سمر علوش، سرى علوش، عبدالرحمن عمّار، د. إياد قحوش، ياسين فرجاني، محمد علاء الدين عبدالمولى، عفيفة الحصني، إياد خزعل، محمد طيّب شلاّر، عبدالكريم بدرخان، حسان ديوب، حسين الناعم، ميلاد ديب، تمّام التلاوي).

والقاصون: فاديا قراجة، أكرم إبراهيم، أحمد عكاش، ميسون الجنيات، والغريب أن الأسماء الأربعة هذه، قد أوردهم في كتابه السابق "أعلام القصة والرواية في حمص" الصادر عام 2010. وفراس النجار، حسان العوض. الروائي فؤاد يازجي، الروائي أديب بدرخان، والباحث في أدب الأطفال بهاء الدين الزهوري، والباحث د. منذر الحايك، الناقد الأدبي د. هايل الطالب، الزميل الإعلامي حسين الإبراهيم، له كتب في المعلوماتية والنقد السينمائي.

لكن إن غفرنا له نسيان تلك الأسماء رغم أن معظمها أصدرت أكثر من كتابين فكيف نغفر له نسيان أسماء ثلاثة أعلام، وهم الباحث في تاريخ الأديان "فراس السواح" الذي صدر له "25" كتاباً، والمفكر الراحل د. طيب تيزيني الذي صدر له 30 كتاباً، والشاعر والمترجم والإعلامي أيضاً علي كنعان الذي صدر له أكثر من 20 كتاباً في الشعر والنثر والمقالات وأدب الرحلات، وكتب مترجمة؟

وإسماعيل لم ينس كل الأسماء، لأنه قد ذكر اسمين من الشعراء الذين باتوا خارج سوريا بسبب الحرب، لكنه غيّب من غيّب، من دون أسباب واضحة، فنأى الكتاب عن العلمية التي يفترض أن تكون المنهج المتّبع أولاً، ولا مكان للأيديولوجيا في تأليف كتب كالمعجم، خاصة أن بعض الذين غاب اسمهم هم راحلون، من قبل هذه الحرب، أو مهاجرون بدوافع العمل، قبل أن تشتعل نيرانها.

وإن كان بالإمكان لمسُ عذرٍ لصاحب المعجم فيمكن لمسه بغياب بعض الأسماء التي أصدرت كتبها الأولى وهي خارج البلد، ولم نشِر إليها، وهي أيضاً لا بأس بعددها، مع أن هذه ليست بعصيّة على التدارك لو أنه فكر بالتعاون مع أحد الذين يثق بهم.

العاطفة أولاً!

وآخر ملاحظة، وهي صلب الكتاب، فعدم التزام إسماعيل ببطاقة نشاط موحّدة للأسماء التي وردت في الكتاب، جعل جهده في منأى عن العلمية، غير مستوفٍ لهدف الكتاب. فبعضهم يكتب عنهم أكثر من صفحتين وبعضهم رغم أن مؤلفاتهم تزيد عن ثلاث صفحات، لكنها لم تستحق أكثر من سطرين!

ليس أخيراً

كما أننا لا نستطيع أن نطلق على شاعر ما، صفة مفكّر ولم يصدر غير دواوين شعرٍ، ولا كتاب له في الفكر، كما هو الشاعر الذي افتتح به الكتاب لأسباب الصداقة ربما، فمضى يعظّم به ما استطاع، فأطاحت العواطف والتحزبات بالعلمية التي افتقدها المعجم!