الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الجمعة 21 يونيو 2024 / 11:59

صدمة وغضب في معسكر الرئيس الفرنسي.. هل تختفي الماكرونية؟

ثلاث كتل سياسية مركزية تتقاتل اليوم في فرنسا، للحصول على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات التشريعية المبكّرة، التي أعلن عنها الرئيس إيمانويل ماكرون بعد حلّه المُفاجئ للجمعية الوطنية، وذلك يومي 30 يونيو (حزيران) الجاري و7 يوليو (تموز) المقبل، حيث بات الجميع يبحث عن كبش فداء له لتصعيد الحملات الانتخابية.

ووسط توقّعات ومخاوف المعسكر الرئاسي من انهيارها، تُحاول كتلة المعتدلين ممثلة بحزب النهضة الذي ينتمي له ماكرون، البقاء بقوة بعد تصاعد نسب التأييد لليمين المتطرف (حزب التجمع الوطني)، واليسار المتطرف (الجبهة الشعبية التي يقودها حزب فرنسا الأبية)، على حدّ سواء.

هل يُكمل الرئيس الفرنسي ولايته؟

وبلغت المخاوف ذروتها بتوقع أستاذ التاريخ الفرنسي المعاصر إيريك أنسو، أن "ماكرون قد لا يُكمل ولايته وقد يضطر للانسحاب والاستقالة"، رغم إعلانه مسبقاً عكس ذلك، إثر ضغوط شعبية تقودها المعارضة فيما لو فازت بالانتخابات المرتقبة.

وأكد أن التاريخ يُعيد نفسه، ومشبّهاً ما يحصل حالياً ليس فقط بالانتخابات التشريعية لعام 1936 التي كانت الأخيرة قبل بدء الحرب العالمية الثانية، بل مع المشهد السياسي عام 1848 الذي شهد إنهاء الملكية وإنشاء الجمهورية الفرنسية الثانية، كأول نظام جمهوري ينتخب بالاقتراع العام، حيث كانت جمهورية قصيرة شهدت اضطرابات كبيرة بين الفصائل السياسية المختلفة، والتي غالباً ما كانت عدائية، ولم تكن قادرة على احتواء خصوم الجمهورية.

ولا تهدف معركة الماكرونيين للحفاظ على الأغلبية البرلمانية وحسب، بل إن وجودهم السياسي بأكمله بات مهدداً، وهو الوجود الذي بدأ في عام 2017 بإعادة تشكيل المشهد السياسي الفرنسي مع ظهور الحزب الماكروني على حساب الحزب الاشتراكي والجمهوريين.

وحول منطق سياسة "كتل ضد كتل" الذي بات يسود فرنسا، يقول جان جاريجيس، المؤرخ في علوم السياسة: "لدينا جبهة جمهورية متعثرة، وفي داخلها كتلة يسارية لا ترغب في الارتباط بالآخرين"، في إشارة لهجوم الجبهة الشعبية الجديدة على كتلتي الوسط واليمين. وبرأيه فإنه "بالنسبة للعديد من الفرنسيين، لم يعد العدو الأول هو الجبهة الوطنية، بل الجبهة الثورية".

ما مصير الماكرونية؟

من جهتها، ترى الصحافية والمحللة السياسية ناتالي سيجونيس، أنه وبعد صدمة فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية، فقد مثّلت ولادة الجبهة الشعبية الجديدة التي وحدت أحزاب اليسار، خيبة أمل عميقة لرئيس الدولة الذي كان يعتمد دائماً على انقسام أحزاب اليسار أثناء حملاته الانتخابية لاجتذاب الديمقراطيين والاشتراكيين، وهو ما عزز من مخاوف انهيار واختفاء الماكرونية.

ورغم وصفها قرار إجراء الانتخابات التشريعية بأنه "بادرة قوية"، إلا أن رئيس الدولة وفريقه قدموا عدة أسباب وهمية، للإقناع بأن هذا ليس عملاً أحمق ولا نزوة شخصية. 

فالمعادلة البرلمانية، بين الأغلبية النسبية الحالية وبقية الأحزاب المعارضة لم تمنع منذ عام 2022، من تمرير أكثر من 50 نصاً تشريعياً في البرلمان، مما ينفي مخاوف حصول جمود برلماني تشريعي حاد.

الماكرونيون في صدمة وغضب

وكذلك، في صحيفة "اللوموند" الفرنسية نقرأ تحليلاً بقلم نخبة من الكاتبات والمحللات السياسيات، إلسا كونيسا وسولين دي روير وكلير جاتينويس، جاء فيه أن إعلان الرئيس الفرنسي قرار حل الجمعية الوطنية وضع جهاز الدولة في حالة انعدام الوزن. حيث يتأرجح البرلمانيون الماكرونيون، المرتبكون، بين الغضب والمخاوف والرغبة في إنقاذ مكانهم في هذه الحملة السريعة التي من المتوقع أن تكون صعبة جداً.

وكشف التحليل، أنه جرت محاولات من معسكر ماكرون لإثنائه عن قراره الذي أخبرهم به قبل وقت قصير من إعلانه، حيث وقف الجميع مذهولاً، وحاول الأمين العام للإليزيه ألكسيس كوهلر التدخل عبر إبلاغ المقرّبين من الرئيس، حتى أن رئيس الحكومة غابرييل أتال، وقبل وقت قصير من الاجتماع السياسي الذي تمّت الدعوة إليه في الإليزيه فور إعلان نتائج الانتخابات الأوروبية، حاول الاستقالة منعاً لحل البرلمان، وخاطب ماكرون بقوله: "أنا أقدم لك استقالتي، استخدمني كفتيل" لكن بالطبع بلا فائدة.

هل تسقط الجمهورية؟

وكتب الباحث في الشؤون السياسية جاك ديون، مقالاً له نشرته مجلة "ماريان" يقول إنه "لم يسبق لليمين المتطرف أن كان له كل هذا القدر من النفوذ في البلاد، في حين أن قرار ماكرون يشبه رفع علم الهزيمة عندما يخرج الجندي من الخندق للاستسلام للعدو. 

ومع ذلك، حتى لو كانت الصحوة مؤلمة، يجب أن ندرك أنه لا يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك، حيث أصر رئيس الجمهورية على اتباع منحدر لا يمكن إلا أن يقود فرنسا إلى طريق مسدود".

وذكر مدير هيئة تحرير "ماريان"، أن إيمانويل ماكرون ومنذ انتخابه عام 2017، وعد بأنه وحده القادر على صد حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف. 

وقد كان ملتزماً بالاستماع إلى الفرنسيين، وليس "احتقارهم"، وأن يلبّي توقعاتهم، الأمر الذي كان سيؤدي بالضرورة إلى الحد من تأثير قوى الظلام التي تقوّض قيم الجمهورية. لكن وبعد 7 سنوات، كانت النتيجة مذهلة، لم يسبق لليمين المتطرف أن زادت نسب مؤيديه بشكل غير مسبوق في تاريخه.

أجواء نهاية عهد ماكرون

ويُؤيّد ما سبق تحقيق مُشترك في يومية "لو فيغارو"، أجراه كلّ من المحللين السياسيين لوريس بويشوت، ولويس هوسالتر، وتريستان كينو-مووبويل، أكدوا فيه أنّ أنصار رئيس الدولة لا زالوا غير قادرين على هضم حلّه المُفاجئ للجمعية الوطنية، الأمر الذي أدخلهم في المجهول، لدرجة أن البعض بدأ بالفعل في طي صفحة الماكرونية، والبحث عن وظيفة أخرى.

وكان هؤلاء بمثابة الحرس المقرّب لماكرون منذ عام 2017، ومهندسي فوزه المفاجئ حينها، حيث "كرس الجنود جسدهم وروحهم لقائدهم"، واليوم، يراقب هؤلاء المؤيدون للملحمة الأصلية من بعد الزلزال الذي أحدثه رئيسهم بقراره حل البرلمان. 

ومثل العديد من الفرنسيين، فإنهم يتأرجحون بين الحيرة وعدم الفهم.

وينقل التحقيق عن أحد الفاعلين في المعسكر الرئاسي قوله: "لم أعد أعرفه بعد الآن"، موضحاً أنه يستطيع أن يفهم الآليات الفكرية التي تؤدي إلى حل الجمعية الوطنية، والشعور بالإعاقة. ولكن القيام بذلك الآن، عشية الألعاب الأوليمبية، من شأنه أن يخلق فوضى هائلة ويوفّر منصة للتطرف".