الشاعر السوري عبدالقادر الحصني
الشاعر السوري عبدالقادر الحصني
الجمعة 28 يونيو 2024 / 09:44

قصائد الشعراء للشعراء.. إخوانيات تقليدية أم تقانة إبداعية؟

القصائد المهداة لأشخاص وبخاصة للشعراء، سواء كانوا تراثيين أم معاصرين، تقليد شعري نلمسه بين حين وآخر في منجز بعض شعراء التفعيلة.

حاول "24"  تلمس الحوافز والأسباب الفكرية والفنية في كتابة مثل هذه القصائد لدى ثلاثة شعراء سوريين هم: صقر عليشي، وبيان الصفدي، وعبدالقادر الحصني.  

ففي منجزهم الشعري قصائد إبداعية لافتة مهداة لأكثر من شاعر. وسألنا أيضاً كيف يمكن تجاوز مطب التقليدية في كتابتها لتنجو من الإخوانيات.

ظرافة وجدّ

الإجابة الأولى من الشاعر صقر عليشي الذي احتفت به وكرمته منظمة الألكسو للتربية والثقافة العربية وعدّته الشاعر العربي المكرّم طوال العام.

وفي منجزه قصائد مهداة لـ "نزار قباني، محمد الماغوط، د. سعد الدين كليب، والشاعر عليشي" لا يخلو شعره من ظرافة إن لم نقل يكتنز به، فأجابنا بالطريقة ذاتها قائلاً: "لماذا تذكر شعراء التفعيلة فقط؟ هذا سائد في كل الأشكال الأخرى، أنا أعرف أن لديك نوايا سيئة من "الوزن الثقيل " تجاه الشعر الموزون.. أما آن لحرب "داحس والغبراء" أن يهدأ أوارها؟!! وأن تجنحوا للصلح هو خيرٌ وأبقى.. هل تظن أن شعر التفعيلة يعطينا " إخوانيات" بصحة جيدة؟ أم أن "قصيدة النثر" ترفس هذا النوع من الموضوعات إلى الخارج؟".


روحٌ كبيرة

ومن ثم مال إلى الجدِّ وتابع إجابته قائلاً: إذا كنت تشير إلى أن هذا الموضوع غير شعري فأنا أرى أن الشعر يمكن أن يكون في أي موضوع، والأمر متوقف على مهارة الشاعر وموهبته ونوع الآفاق الموجودة في جمجمته. لا يستطيع شاعر رديء أن يكتب في موضوع عظيم شعراً جيداً، ويستطيع شاعر جيد أن يكتب شعراً رائعاً في موضوع صغير... والأمثلة كثيرة.

والشاعر عليشي يرى أن "الإخوانيات" ليست ظاهرة محلية لم تنبت إلاّ في حياضنا، بل موجودة في الشعر العالمي كله، قديماً وحديثاً، وهي تكون محط إعجاب الفن والإبداع إذا توافر لها حافز من الوجدان والصدق العاطفي، لدى شاعر جيد، وهي أيضاً تلبّي حاجة إنسانية لدى الشاعر والمتلقي حين تضع عليها اللمسات روحٌ كبيرة.. وهو سرّ بقائها واستمرارها.
ليختتم إجابته بأن الاتكاء على الموضوع الكبير لا يجدي فتيلاً، ولا يجدي حتى نصف فتيل.. ولا ينقذ هذا الاتكاء القصيدة من الضعف والركاكة, ولا ينقذ كاتبها وهو يصيب الطرفين بسوء بالغ. كل شعر جميل هو بالضرورة يؤدي وظيفة جميلة ويزيد من جمال الحياة بغض النظر عن موضوعه.   

ألوان عاطفية

وبدأ الشاعر بيان الصفدي الذي يكتب شعراً للكبار وللأطفال ودراسات تهتم بأدبهم، وفي منجزه قصائد مهداة للشعراء محمود درويش، عبدالله البردوني، بندر عبدالحميد، سعدي يوسف، بدأ إجابته بالإشارة إلى أن "مصطلح قصائد الإخوانيات يتجه إلى الكتابة لأغراض عابرة ومجاملات ومناسبات اجتماعية، وهذا ما أنفر منه بشدة، ويعكس روحاً انتهازية واضحة، خاصة عندما يكون المعني مسؤولاً سياسياً أو ثقافياً أو شريك عمل".
وعن دوافع قصائده التي أخذت أسماء شخصية، يقول: "لها أكثر من دافع، وغالباً يثير أحد ما برحيله مواجع عميقة لجيل أو بلد، وهذا واضح في قصائدي عن محمود درويش وسعدي يوسف والبردوني وبندر عبدالحميد، وهؤلاء ربطتني بهم صداقات، لكن إن تأملت ببساطة فأنا أتناول في قصيدتي قضية أبعد من الشيء الشخصي، وإن تلوَّنت عاطفياً بالصداقة، وأشعر عندما أفعل ذلك بأن القصيدة تسلمني عدة مفاتيح للتعبير الحي الدافئ عما هو فكري ومجرد أحياناً، فوهج الشخصية والعلاقة معها يغني الشعر عندما ينتمي للحياة من هذه الزاوية".

تقانة القناع

وأردف الصفدي "أذكر أنه سبق لي أن كتبت قصائد عن عبدالباسط الصوفي وذي الرمة بتأثير ثقافي أو وجداني، أحياناً كان استخدامي لأسماء أخرى مدخلاً لطرح علاقة ثقافية عميقة أو مأزق وجودي ما، كما في قصائدي عن (السياب) أو (ابن خلدون) أو(علي المندلاوي) أو (عبدالحسين محمود) ولك أن تذهب إلى أبعد من ذلك وتجعل ذلك مندرجاً في قصيدة القناع غالباً، كوسيلة فنية معروفة، وفي كل الحالات لا أخفيك أن نداء نبع من قلبي وعقلي تجاه من كتبت عنهم".


استبطان وتداخل فكري

أما الشاعر عبدالقادر الحصني ومساهمته مسك ختام هذا التقرير، الذي له قصائد بأسماء الشعراء، منهم "ابن الفارض، نزار قباني، عبدالسلام عيون السود، عبدالباسط الصوفي، موريس قبق، محمد عمران، علي الجندي، شوقي بغدادي"، يتساءل: من أين تأتي التقليديّة إلى القصائد التي تُكتب لأشخاص؟
ليجيب "تأتي من طبيعة التجربة الشعرية لشاعرها، فهناك شعراء مقلدون لما كان قبلهم في كلّ ما يكتبون تقريباً. وفي مثل هذه القصائد يلتهمهم التقليد إذا ذهبوا إلى المديح أو الرثاء، واستجرّوا إلى قصائدهم ما يشبه ما دار في مدار هذين الغرضين حدّ اجترار المعاني والصور.
أما في قصائدي في الأشخاص الذين ينتمون لأكثر من حقل إبداعي وليس للشعر فقط، وعددها كبير نسبياً في شعري، فإنك لن تجد مديحاً ولا رثاءً. ستجد استلهاماً لحيوات هؤلاء الأشخاص وأشعارهم (ابن الفارض وردة الدمع والفرح)، واستبطاناً لها (عبدالباسط الصوفي، وعبدالسلام عيون السود)، وتداخلاً فكرياً وشعرياً مع سلوكهم (ديك الجنّ)، وتعميقاً لرؤاهم في الوجود، وذهاباً إلى مراميهم المضمرة وراء ذلك (يمامة الفَرْق- يوسف سامي اليوسف)، ومحاكمة لشيء مما كان منهم أو لهم أو عليهم (كل حرفٍ عن حرفه مسؤول- جوزف حرب)، ودفاعاً عنهم (لم يلد أحداً- محمود درويش)، وغناء لهم كما في قصيدتي عن سميح القاسم، وقراءة في حياتهم (الولد على عكّازه- بلال شرارة)... وهكذا.

مناكفة ومؤانسة

ويستعيد لنا الشاعر الحصني ملاحظة على قصائده في الراحلين للشاعر سليمان العيسى، قال له: أنت لا تكتب فيهم قصائد رثاء! فأجابه: بأني لم أرث أحداً إطلاقاً، وأني، في العمق، لا أرى الموت مناسبة للرثاء، حدّ أني لم أرث أمي وأبي. والأمر نفسه في المديح، إذ ليس في شعري مديح لأي شخص.
ويختتم الحصني مشيراً إلى قصائده في الأشخاص، فالمدقق فيها يرى أنها لا تمتُّ بصلة إلى الإخوانيات أيضاً: الإخوانيات التي يتبادلها الشعراء في تلقائية وعفوية مولعتين بالطرفة والمناكفة والمؤانسة والعابر في علاقاتهم اليومية، وتتضمن شيئاً من النقد  الساخر أحياناً، فتلك لديّ منها مجموعة شعرية مخطوطة، أسميتها (الأصدقاء)، حضر فيها الأصدقاء الشعراء شوقي بغدادي، محمد مهدي النهيري، طارق آل ناصر الدين، خليل عاصي، علي طالب، فضل مخدر وآخرون.