الإثنين 26 أغسطس 2024 / 08:47

الطفولة السودانية الضائعة

علي قباجة - الخليج الإماراتية

بينما يستعد الطلاب للتوجّه إلى مدارسهم في معظم دول العالم، يحدوهم شعور الأمل والتفاؤل ببدء عام دراسي جديد، فإن هذا الشعور يغيب عن أطفال السودان هذا العام، الذين فرضت عليهم الحرب أن يظلوا حبيسي ما تؤول إليه مفاوضات المتحاربين الذين يصرون على بقاء الحال على ما هو عليه.

على الرغم من أن الجميع كان يأمل أن يتمخض اجتماع جنيف عن آلية لرؤية جديدة في هذا البلد الذي أنهكته 16 شهراً من الحرب، فإنه انتهى بعد 10 أيام دون التوصل إلى أي اتفاق في ظل غياب حكومة سودانية عنه، ورفض أحد الأطراف لبعض مطالبه، ووحدهم الوسطاء هم من نجحوا في الحصول على موافقة من الطرفين لإيجاد ممرات إنسانية آمنة، بهدف إدخال المساعدات إلى الشعب السوداني علّه يجد ما يسدّ به جوع أطفاله ويطفئ ظمأهم في ظل تعنّت أصحاب الشأن وعدم اكتراثهم للوضع الكارثي الذي يعانيه الناس.
ما لا شك فيه أن تأثيرات الحرب تطول كل جانب، إلا أنها أشد وطأة على الأطفال الذين تهدد مستقبلهم الدراسي، وبالتالي تسهم في نشر الجهل الذي تعقبه أزمات كثيرة، وهو ما حذّرت منه منظمات إنسانية عدة، فقد رصدت منظمة إنقاذ الطفولة وصول نحو 500 طفل دون صحبة ذويهم إلى ولايتي النيل الأزرق والقضارف وهو ما يشي بحالة تشرد يعانيها الأطفال في انعكاس للحرب التي تطول نحو 20 مليون طفل.
لقد غذّت الحرب المستمرة مزيجاً مميتاً من النزوح وتفشي الأمراض بين الأطفال والتقارير العالمية بهذا الشأن صادمة، إذ إنها تشير إلى أن جيلاً كاملاً من أطفال السودان باتوا يواجهون أزمات عدة، مثل سوء التغذية الذي يعانيه 4 ملايين طفل دون سن الخامسة، وما يزيد الطين بلة أن نصف هذا العدد لا يمكن الوصول إليهم بحسب تصريح لتيد شيبان، نائب المدير التنفيذي لمنظمة «اليونيسيف»، الذي أكد أن نحو 90% من الطلاب لن يتمكنوا من التوجّه إلى مدارسهم، إلى جانب زيادة في بلاغات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال التي ازدادت خمسة أضعاف، ما اضطر الأطفال للجوء إلى دول الجوار وتقدر أعدادهم اليوم بنحو مليون طفل، والمؤلم أن نحو 350 ألفاً من هؤلاء فقدوا التواصل مع ذويهم بحسب ما نشرت بيانات مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة.
الغريب أن ما يُذكر من أرقام مهولة عن معاناة الأطفال لا يحرك ساكناً بين المتحاربين، ويستمر الصراع بينهما، ووحده الشعب السوداني يعاني تبعات هذا الصراع من نزوح وتشريد وجـوع ومزيد من المآسـي، لكن يجب أن تبقى الطفولة هي الخط الأحمر للجميع، لأن التعدي عليها سيقضي ليس على جيل واحد فحسب، وإنما على أجيال كاملة من أبناء السودان.