الإثنين 7 يوليو 2014 / 14:04

خبراء لـ 24: الخلافة حلم الإخوان الضائع بسقوط مشروع البنا

القاهرة- أمنية الشامي وتيم خالد

حدد مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا، موقف الجماعة، من فكرة "الخلافة الإسلامية"، بقوله: "الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله، ولهذا قدم الصحابة -رضوان الله عليهم- النظر في شأنها على النظر في تجهيز النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه، حتى فرغوا من تلك المهمة، واطمأنوا إلى إنجازها".

أدرك المصريون خطورة التنظيم الذي انكشفت مخططاته طيلة عام حكم فيه مصر من خلال الرئيس الأسبق محمد مرسي من 1 يوليو(تموز) 2012 وحتى 3 يوليو 2013 فثار المصريون ضد ذلك التنظيم عقب عام واحد ليُعيدوا الجماعة إلى نقطة الصفر مجدداً ويسقطوا مشروع الخلافة

ولقد سعى تنظيم الإخوان المسلمين منذ تأسيسه في العام 1928، إلى إعادة "الخلافة الإسلامية"، متبعاً الخُطوات المبدئية المؤسسة للخلافة، وهي الخطوات التي حددها "البنا" في رسالة المؤتمر الخامس للتنظيم، تحت عنوان "الإخوان المسلمون والخلافة"، متمثلةً في أهمية وجود تعاون تام، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، بين الشعوب الإسلامية كلها، يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات، وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد، ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية، حتى إذا استوثق ذلك للمسلمين، كان عنه الإجماع على "الإمام" الذي هو "واسطة العقد، ومجتمع الشمل، ومهوى الأفئدة، وظل الله في الأرض".



انطلاقاً من ذلك، ظن تنظيم الإخوان المسلمين أن بوصوله إلى سُدة الحكم في مصر، يكون قد قطع شوطاً كبيراً لا بأس به في تحقيق مشروع "الخلافة الإسلامية"، الذي دعا إليه "البنا" في رسائله، غير أن المصريين أدركوا خطورة التنظيم، الذي انكشفت مخططاته طيلة عام حكم فيه مصر، من خلال الرئيس الأسبق محمد مرسي من 1 يوليو(تموز) 2012، وحتى 3 يوليو 2013، فثار المصريون ضد ذلك التنظيم عقب عام واحد، ليُعيدوا الجماعة إلى نقطة الصفر مُجدداً، ويسقطوا مشروع "الخلافة"، حيث كان "البنا" قد أكد في رسائله أن "الإخوان المسلمين يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس منهاجهم، وهم مع هذا يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثيرٍ من التمهيدات التي لابد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لابد أن تسبقها خطوات".



وغير أن سقوط الإخوان المسلمين في مصر قد أسقط مشروعهم الخاص بإعادة الخلافة الإسلامية، إلا أن ذلك لا يمنع أن هناك فصائلاً تعمل من أجل المشروع ذاته، آخرها مثلاً تنظيم الدولة الإسلامية، الشهير إعلامياً بـ "داعش".

 وفي هذا الملف، يستطلع 24 آراء عدد من المنشقين عن تنظيم الإخوان المسلمين، والباحثين في شؤون الحركات الإسلامية، للوقوف عند الأسباب الحقيقية وراء سقوط مشروع الخلافة الإخواني، ومدى إمكانية حدوث تقارب في مشروع الجماعة مع مشروع "داعش"، وحقيقة الدعم الأمريكي لفصائل الإسلام السياسي، وعلاقته بمشروع الخلافة المزعوم.

قاعدة فكرية
في البداية، حدد القيادي المنشق عن تنظيم الإخوان المسلمين إسلام الكتاتني، أبرز أسباب سقوط "فكرة الخلافة" الخاصة بتنظيم الإخوان المسلمين، مؤكداً أن مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا، كان قد حدد 7 خُطوات للتنظيم؛ من أجل تحقيق شتى مطامعه ومخططاته، تبدأ تلك الخُطوات بـ"البيت المسلم"، وحتى تصل إلى "عالمية الجماعة"، مروراً بوجود المجتمع المسلم والحكومة، وتحقيق الخلافة في الدول العربية.



وتابع في تصريحات خاصة لـ 24: "الإخوان في مصر قفزوا من مرحلة "المجتمع المسلم" الذي كان يحاولون تهيئته لتقبل أفكار الجماعة، إلى المرحلة الخامسة وهي "الحكومة"، لما نجحوا في السيطرة على السلطة في مصر، عقب ثورة 25 يناير(كانون الثاني) 2011، إلا أنهم لم يشكلوا قاعدةً فكريةً داعمةً لهم بالشارع المصري، وظنوا أنهم بالأعمال الخدمية قد كسبوا انحياز الشارع المصري لهم، وبالتالي وقف الشارع ضدهم على أساس اختلاف الفكر والرؤية".



وأكد الكتاتني أن من أبرز أسباب سقوط مشروع الخلافة أيضاً، هو استعانة الإخوان بالجماعات الجهادية، رغم الاختلافات الفكرية معهم، إلى جانب اكتشاف المجتمع المصري لطبيعة الصفقة التي أبرمتها جماعة الإخوان المسلمين مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ من أجل الوصول إلى خلافة إسلامية تحت سيطرة أمريكا.

وأشار القيادي الإخواني المنشق، أن فكرة "الخلافة" لا تتناسب أبداً مع الواقع الحالي في العالم كله، غير أن تنفيذ أمور مثل السوق العربية المشتركة أو حتى السوق الإسلامية المشتركة يُحقق الجانب الإيجابي من فكرة الخلافة، لافتاً إلى أن الإسلام حدد مبادئ الحكم، لكنه لم يحدد شكل أو نظام الحكم، ما يعني أن فكرة "الخلافة" ليست فكرةً إسلاميةً منصوص عليها، أو مفروضة.

أنظمة الحكم
بينما قال القيادي الإخواني المنشق الدكتور كمال الهلباوي، في تصريحات خاصة لـ 24: "فكرة الخلافة تُعد شكلاً من أشكال أنظمة الحكم، لكنها – على عكس ما يعتقد كثيرٌ من أنصار تيار الإسلام السياسي- لا تعتبر جزءاً من السنة أو القرآن أو التشريع الإسلامي"، مؤكداً أن تلك الفكرة التي لم تعد تتناسب مع العصر، وأنه لابد أن يتم تغييرها لدى ذلك التيار؛ لتتواكب مع المرحلة الحالية.



وأكد أن الأصل في فكرة "الخلافة" هو "الوحدة"، وليست الخلافة بمعناها الشائع لدى الإسلاميين، مشدداً على أن فكرة الخلافة نفسها مختلفة لدى الإسلاميين، فهناك الخلافة من منظور إخواني، والتي حاول التنظيم الإخواني تنفيذها، لكنه فشل فشلاً ذريعاً في مصر، فضلاً عن الخلافة من منظور السلفيين، والخلافة من منظور السلفية الجهادية، وصولاً إلى فكرة الخلافة لدى الجماعات التكفيرية، وهي الفكرة التي تتبناها "داعش"، التي تتبنى مشروع تفكيكي تقسيمي ليست له أية علاقة بالخلافة الإسلامية.

وفي الوقت الذي أعلن فيه تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الخلافة، أكد الهلباوي أن "داعش" هي ذريعة أمريكية في المنطقة، حيث تنفذ مخططات واشنطن، لتقسيم المنطقة، والدليل على ذلك الانقسام الذي يحدث في العراق الآن.

لم يسقط بعد!
أما الباحث في شؤون الحركات الإسلامية ماهر فرغلي، فأكد أن مشروع الخلافة الذي يتبعه تنظيم الإخوان المسلمين "لم يسقط"، فهو ما زال موجوداً على الورق فحسب، لكنه لم يطبق، خاصةً أن الجماعة اصطدمت بالشارع المصري، الذي يرفض ذلك المشروع، والذي ثار عليها في 30 يونيو(حزيران) 2013، ومن ثم ارتد ذلك المشروع 80 عاماً للخلف، مؤكداً في السياق ذاته أن فكرة "الخلافة" لا تتواكب في الأساس مع المفهوم الحديث للدولة.

وحول مدى توافق مشروع الخلافة الذي تدعو إليه "داعش" ومشروع الإخوان المسلمين، أكد فرغلي، في تصريحات خاصة لـ 24، أن هناك اختلافات في آليات التنفيذ والتفكير، لاسيما وأن داعش تستخدم الإرهاب والعنف كسبيل واحد لها في تحقيق مشروعها، لافتاً في السياق ذاته إلى أن الولايات المتحدة تستخدم أي مشروع إسلامي، سواءً داعش أو الإخوان أو غيرهما؛ من أجل تنفيذ مخططاتها بالمنطقة، لتقسيمها.



طبيعة مدنية
وأشار الباحث في شؤون الحركات الإسلامية سامح عيد، إلى أن طبيعة الشعب المصري لا تتواكب مطلقاً مع فكرة "الخلافة" التي يدعو إليها الإخوان، خاصةً أن الدولة أساساً ذات طبيعة مدنية، وتعتمد في جزء رئيسي من اقتصادها على "السياحة"، التي يحاربها دعاة الخلافة، ويعتبرونها شكلاً من أشكال الفجور، مؤكداً في تصريحات خاصة لـ 24، أن أحد أبرز أسباب سقوط مشروع الخلافة الإخواني هو قيامه على مبدأ السرية، ومحاولات الجماعة نفيه، الأمر الذي جعله يصطدم مع واقع المجتمع المصري، لاسيما وأن فكرة الخلافة غير مناسبة بالمرة مع المجتمع.



وحول التشابهات والاختلافات القائمة بين المشروع الإخواني ومشروع داعش فيما يتعلق بمشروع الخلافة، لفت "عيد" إلى أن المشروعين غير متوافقين، لاسيما وأن الإخوان تقوم بالمزيد من المناورات السياسية، ووصلت للحكم عن طريق انتخابات ديمقراطية، على عكس داعش التي لا تعترف بكل ذلك، وتستخدم العنف والإرهاب كورقة وحيدة لديها لتنفيذ الخلافة، بينما الإخوان، وإن كانت تستخدم العنف، فهي تستخدمه ضمن كروت أخرى أو خيارات عديدة.

مفهوم الوطن
ومن أبرز الأسباب التي حددها نقيب الصحفيين المصريين الأسبق، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية مكرم محمد أحمد، لسقوط الإخوان المسلمين في مصر، وتنكر المصريين لمشروع إعادة الخلافة، هو ما يتعلق بأن الجماعة تُنكر مفهوم "الوطن" نفسه، لأنها تنظر إلى أبعد من ذلك وهو "الخلافة الإسلامية"، ومن ثم فإن المصريين رفضوا ذلك الأمر بشكل كامل، لاسيما مع خروج العديد من التصريحات من جانب قيادات التنظيم الإخواني تهاجم الوطن مصر، وتؤكد أن الجماعة كانت تعمل لمصلحتها الخاصة وليس لمصلحة البلد، مثل التصريح الشهير للمرشد العام السابق للجماعة، الدكتور محمد مهدي عاكف، والذي قال فيه: "طظ في مصر".



وأشار "أحمد" في تصريحات خاصة لـ 24، إلى أن مفهوم "الخلافة الإسلامية" هو مفهوم عفا عليه الزمن، وغير مواكب للمرحلة الحالية، ويسعى إلى تعميق "الطائفية"، مؤكداً أن تنظيم "داعش" يعتبر صورةً جديدةً للقاعدة، ويُحاول أن يكون له مكتسبات في المنطقة، من خلال استغلال الاختلاف الطائفي.

إنكار
وفي سياق متصل، أنكر أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف الدكتور أحمد كريمة، وجود ما يُسمى بـ "مشروع الخلافة" لدى الإخوان المسلمين، مؤكداً أن الجماعة وصلت إلى سدة الحكم في مصر عن طريق "المصادفة"، عقب ثورة 25 يناير(كانون الثاني) 2011، لاسيما وأنهم كانوا الفصيل الأكثر جاهزيةً، عقب سقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك.



وحول فكرة "الخلافة الإسلامية" في حد ذاتها، لفت "كريمة" في تصريحات خاصة لـ 24، إلى أن الخلافة بشكلها القديم، لا تناسب الوقت الحالي مطلقاً، كما أن الإسلام لم يأتِ على ذكر فرض "الخلافة" أو أي نظام سياسي مُحدد، غير أنه حدد الآليات والضوابط المحددة لأي نظام سياسي.

غير مناسبة
وبدوره، أشار القيادي الإخواني المنشق الباحث في شئون الحركات الإسلامية خالد الزعفراني، في تصريحات خاصة لـ 24، إلى أن فكرة الخلافة الإسلامية بصفة عامة "غير مناسبة للمرحلة الحالية"، مؤكداً أن تنظيم الإخوان المسلمين لم يكن له سياسة محددة وواضحة في مساعيه نحو تنفيذ مشروعه، لاسيما وأنه لم يكن هناك ترتيب واضح لوصوله إلى سدة الحكم، بل وصل عن طريق الصدفة، وبالتالي قام باقتراف العديد من الأخطاء الهائلة خلال ذلك العام.



ونوه الزعفراني إلى أن الشعب المصري يؤمن بأن فكرة "الانعزال" غير مناسبة للوقت الحالي، وأن هناك فرقاً واضحاً بين الظروف التي كانت فيها الخلافة الإسلامية وبين المرحلة الحالية، وبالتالي تم رفض تنظيم الإخوان ومخططاتهم نحو إعادة الخلافة مجدداً.