يرى المحلل الروسي نيكولاي كوزانوف أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الثامن والعشرين من يونيو (حزيران) الجاري أكدت حالة الغموض الذي يحيط بشكل العلاقات بين طهران وموسكو في المستقبل.

وكان المؤيدان الرئيسيان للتقارب مع روسيا هما الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبدالله اللهيان اللذان قتلا في تحطم مروحية في شهر مايو (أيار) الماضي.

وقال كوزانوف ، وهو أستاذ مساعد باحث في مركز دراسات الخليج بجامعة قطر. وهو أيضاً باحث غير مقيم في برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط وزميل استشاري في برنامج روسيا وأوراسيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) ومقره لندن، أن وفاتهما حدثت قبل أن تتمكن الدولتان من إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات في شكل اتفاق شراكة جديد طويل الأجل.

وأضاف كوزانوف ، في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس، أن هناك سؤالاً رئيسياً عما إذا كان الرئيس القادم سوف يصبح مهتماً بنفس القدر بتطوير علاقات إيران مع روسيا.

وفي الوقت الحالي، يبدو أن المسار الحالي للعلاقات الإيرانية الروسية لم يطرأ عليه أي تغيير .

ويتحدث كل من القائم بأعمال الرئيس محمد مخبر ووزير الخارجية بالإنابة على باقر ي عن الطبيعة الاستراتيجية طويلة الأجل للعلاقات بين الدولتين.

وكان قد تم اتخاذ قرار في 2022-2021بشان جولة جديدة من التقارب مع روسيا على مستوى المرشد الأعلي لإيران على خامنئي. ومع ذلك، حتى هذا التأييد ليس كافياً لضمان استمرار العلاقات مع روسيا في المسار الذي خطط له الرئيس الراجل رئيسي .

ولن يتطلب الأمر مراجعة كبرى لإضعاف الاتصالات الثنائية، وسوف يكون كافياً بالنسبة لطهران أن تبطئ ببساطة وتيرة التعاون في بعض المجالات (مثل إمدادات الأسلحة أو تطوير ممر الشمال الجنوب ) لجعل المصالح الروسية تشعر براحة أقل في إيران.

واعتباراً من الآن ، يعد جدول الأعمال الروسي الإيراني واسع النطاق للغاية، حيث تنسق كلتا الدولتين المواقف وتتبادلان المعلومات بشأن عدد من القضايا الدولية ، بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني ، والوضع في سوريا، والوضع في منطقة بحر قزوين، والعمليات السياسية والأمنية لأفغانستان، وأمن الخليج وقضايا أخرى .

ومن الناحية التقليدية، كانت إيران محل اهتمام لروسيا كلاعب مهم في أسواق النفط والغاز وكدولة تبني فيها روسيا أول محطة للطاقة النووية لها في الشرق الأوسط. وفي مسائل التعاون الفني العسكري ، أكتسبت إيران الدور المهم كمورد للأسلحة لروسيا بعد فشل الهجوم الخاطف الذي شنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا.

وأصبحت إيران بعد عام 2022 لاعباً مهماً في الخطط الخاصة بإنشاء ممر نقل للالتفاف على العقوبات، وهذا جانب آخر لإحياء العلاقات الاقتصادية الروسية الإيرانية .

ولم تقم إيران بتعليم روسيا كيفية الالتفاف على العقوبات فحسب ، لكنها كانت وسيلة للقيام بذلك. فمن ناحية، تقدم إيران طريقاً بديلاً للمحيط الهندي، وآسيا، الذي تعيد روسيا التوجيه إليه. ومن جهة أخرى ، تم إطلاق عملية للواردات الموازية الواضحة والخفية عبر إيران.

ولكن حتى المرشد الأعلي خامنئي ربما يلغي المسار بشأن روسيا إذا اقتضت مصالح النظام ذلك. وهناك على الأقل عاملان يمكن أن يدفعاه لإجراء عمليات تصحيح في العلاقات مع روسيا : وهما العقوبات واقتصاد البلاد الأخذ في التدهور .

وتابع كوزانوف أن هناك مشكلتين تواجهان من يفوز في السباق الرئاسي الإيراني: وهما انتشال الاقتصاد من الأزمة الغارق فيهاـ وخفض الضغط الخارجي الذي يمارس على البلاد من خلال العقوبات.

وبصرف النظر عن وجهات نظرهم السياسية ، قثد وعد كل المرشحين الرئاسيين الشعب الإيراني بتحقيق هذين الهدفين .

وقال المرشح الأكثر تشدداً سعيد جليلي إنه ليس من الضروري رفع العقوبات المفروضة على إيران فحسب ، بل إرغام الدول التي فرضتها على الندم .

ومن جهة أخرى، انتقد المعتدل مسعود بزشكيان علانية "توجه إيران إلى استراتيجية الشرق" وشدد على انفتاح البلاد على الغرب، إضافة إلى خفض التوترات مع الولايات المتحدة.

وعلاوة على ذلك، فإن التهديد بحرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط مرتبطة بالصراع في غزة وتطبيق عقوبات أكبر ضد طهران لا يصبان في مصلحة النخبة في إيران.

ويفضل الكثير من أعضاء هذه النخبة حالة اللاحرب واللاسلم، التي تم تحقيقها من خلال مستوي معين من الوفاق مع الغرب. وقد يكون العقد القادم هو الوقت الذي تنتقل فيه السلطة من المرشد الأعلي الحالي إلى خليفته.

وسوف يكون هذا أمراً مهماً بالنسبة للنخبة الإيرانية لضمان بيئة اجتماعية واقتصادية أكثر استقراراً داخل البلاد لجعل عملية الخلافة سلسة بقدر الأمكان.

وسوف يقتضي أي رفع للعقوبات واستعادة العلاقات مع الغرب أن تقوم طهران بمراجعة علاقاتها مع روسيا، رغم أنه ليس بالضرورة أن يتم ذلك على الفور.

وتدرك موسكو بوضوح هذا. وبعد وفاة رئيسي مباشرة، حاول الكرملين وقف المناقشات الخاصة بالاتفاق الثنائي طويل الأجل، انتظاراً لرؤية نتيجة السباق الرئاسي في إيران. ويمكن تفهم حذر الكرملين .فأولا ،فليس كل المرشحين مهتمين بالتعاون مع موسكو .ويعارض بزشكيان، سيراً على النهج التقليدي للمعتدلين في إيران، اعتماد طهران الأحادي على التعاون مع روسيا والصين.

وأشار بيزشكيان بمكر إلى أنه لن يتم الكشف عن الإمكانية الكاملة لهذه العلاقات إلا بعد رفع العقوبات، ويتم وضع سياسة متعددة المسارات ، الأمر الذي ينطوي على إتصالات مع الغرب.

وربما تشبث الكثير من مساندي المعسكر المحافظ بأفكار مماثلة . وسوف يشيرون إلى الحقيقة التي مفادها "أن التوجه صوب الشرق "لم يسفر عن أي نتائج ملموسة في تحسين الوضع الاقتصادي في إيران. بل على النقيض، لم تؤد مساعدة موسكو في حربها في أوكرانيا إلا إلى زيادة عبء العقوبات على كاهل البلاد.

واختتم كوزانوف تقريره بالقول إن جليلي أعطى روسيا أملاً ضئيلاً بصداقة مخلصة. وتجنبت خطاباته الإشارة إلى روسيا بوصفها مساراً خاصاً في العلاقات الخارجية الإيرانية، وبدلًا من ذلك تحدث عن موسكو فقط في إطار التوجه صوب الشرق، الذي تم مناقشته في إطار مجموعة تشمل الصين والهند.

ويذكر أنه يبدو أن الانتخابات الرئاسية المبكرة في إيران تتجه إلى جولة إعادة في 5 يوليو (تموز)، بين المرشح الإصلاحي مسعود بيزشكيان 69 عاماً والمرشح المتشدد سعيد جليلي 58، بعد أن فشلت نسبة إقبال الناخبين المنخفضة إلى حد قياسي في تحقيق فوز صريح لأي من المرشحين.

وكان بيزشكيان، وزير الصحة السابق وجراح القلب في المقدمة وفقاً لأحدث فرز للأصوات، حسبما أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني أمس السبت.