أعلن الحزب الجمهوري الاثنين ترشيح ترامب رسمياً لخوض انتخابات الرئاسة المقررة أواخر العام الجاري، في حين أعلن ترامب اختيار السيناتور جيه دي فانس من ولاية أوهايو لشغل منصب نائب الرئيس.

تقرير لأندرو روث في صحيفة "غارديان" البريطانية يشير إلى أنه من المرجح أن يدفع دي فانس، دونالد ترامب إلى مواصلة سياسة "أمريكا أولاً" الخارجية والتعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا، حال بلوغ الرجلين البيت الأبيض نهاية العام.

وفق التقرير، أثار اختيار دونالد ترامب لجيه دي فانس لمنصب نائب الرئيس مخاوف جديدة في أوروبا من أنه قد يسعى إلى تطبيق سياسة خارجية قائمة على مبدأ "أمريكا أولاً" والتي قد تتوج بدفع الولايات المتحدة لأوكرانيا للرضوخ لفلاديمير بوتين والسعي إلى السلام مع روسيا.
وقال أحد كبار الدبلوماسيين الأوروبيين في واشنطن إن "هذا أمر سيئ بالنسبة لنا، ولكنه أسوأ بالنسبة لأوكرانيا.. إن فانس ليس حليفنا".

الصندوق الأسود

كثيراً ما أطلق الدبلوماسيون والمراقبون الأجانب على سياسات ترامب الفعلية وصف "الصندوق الأسود"، وقالوا إنه من المستحيل أن نعرف على وجه اليقين ما الذي سيفعله الزعيم الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته عندما يتولى السلطة.


وقد هدأ البعض من روعهم من خلال الإشارة إلى أن الأسماء المرشحة لتولي المناصب العليا، مثل مستشار الأمن القومي السابق روبرت أوبراين، سوف تحافظ على الوضع الراهن في السياسة الخارجية بينما يركز ترامب على الشؤون الداخلية.
ولكن إدارة ترامب المحتملة لديها الآن بديل أكثر نشاطاً، والذي سوف يغذي شكوك ترامب تجاه أوكرانيا وأوروبا، في حين يحث الحزب على مواصلة السياسة التجارية والخارجية العدوانية في أماكن أخرى حول العالم، بحسب الكاتب.

وقال مايكل ماكفول، مدير معهد فريمان سبوجلي للدراسات الدولية والسفير السابق لدى روسيا: "كان السيناتور فانس أحد أبرز المعارضين لحزمة المساعدات الجديدة لأوكرانيا في الربيع الماضي، وأعرب عن عدم اكتراثه بما يحدث في تلك الحرب، ومن خلال اختيار فانس كنائب له، أوضح ترامب خياره للناخبين الأمريكيين في نوفمبر (تشرين الثاني) بشأن السياسة الخارجية".

وأضاف: "استراتيجية السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن تتناقض بشكل جذري مع نهج دونالد ترامب، لقد روج بايدن ونائبته كامالا هاريس للديمقراطية ووقفا في وجه المستبدين، لم يهتم ترامب وفانس بتعزيز الديمقراطية في الخارج واحتضنا المستبدين بدلاً من ذلك، وخيم التناقض في النهج الخارجي على سياساتهما".
وفي العلن، انتقد فانس حزم المساعدات الأمريكية لأوكرانيا ودفع باتجاه إجراء مفاوضات مع روسيا، رغم أن أوكرانيا قالت إنها لا ترغب في إجراء محادثات.
واتهم إدارة بايدن بأنها "إدارة تفصيلية" لحرب إسرائيل في غزة، وقال إن أمريكا يجب أن "تمكن إسرائيل من إنهاء المهمة بالفعل".

التعامل مع الصين

بحسب تقرير "غارديان" دعا فانس إلى احتواء الصين، قائلاً إن أمريكا "منتشرة بشكل مفرط" في أوروبا، ودفع إلى فرض قيود تجارية صارمة وحماية الملكية الفكرية ضد الصين.
وطالب الدول الأوروبية بدفع حصة أكبر من ناتجها المحلي الإجمالي لحلف شمال الأطلسي، وكتب هذا العام: "قدمت الولايات المتحدة غطاءً من الأمن لأوروبا لفترة أطول مما ينبغي".
وقالت إيما آشفورد، زميلة بارزة في برنامج إعادة تصور الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة في مركز ستيمسون بواشنطن: "أعتقد أن فانس تم اختياره على الأقل جزئياً بسبب سياساته الخارجية والتجارية".

وأكملت: "يمثل فانس بشكل كبير هذا الجناح اليميني الجديد الذي ينمو في الحزب الجمهوري. إنهم أكثر قومية، وحمائيين إلى حد ما، ومعادين للهجرة، حيث كان ترامب هو الذي بدأ هذا إلى حد كبير في عام 2016 وأصبح فانس أحد زعماء هذا الجناح في الكونغرس".
وبحسب التقرير، شارك كبار المانحين في حملة لتأمين ترشيح فانس في الساعات الأخيرة. ووفقًا لموقع "أكسيوس" الأمريكي، فإن من بين هؤلاء إيلون ماسك وتوكر كارلسون وديفيد ساكس.
وكان الثلاثة متشككين في دعم جو بايدن للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وقال ساكس على خشبة المسرح في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري إن بايدن "استفز، نعم استفز، الروس لغزو أوكرانيا بالحديث عن توسع الناتو".

وهم مرتبطون أيضاً بمجموعة أكبر من مليارديرات التكنولوجيا في وادي السيليكون، فضلاً عن كونهم متشددين للغاية بشأن الصين.
وفي الوقت نفسه، أثار هذا الاختيار استياء بعض الجمهوريين التقليديين.
وكتبت عضو الكونغرس السابقة ليز تشيني، التي أصبحت منتقدة صريحة لترامب: "سوف يستسلم [فانس] لروسيا ويضحي بحرية حلفائنا في أوكرانيا، إن حزب ترامب الجمهوري لم يعد حزب لينكولن أو ريغان أو الدستور".

وقد قدم فانس، مؤلف كتاب "مرثية ريفية"، نفسه باعتباره قصة نجاح حديثة من منطقة حزام الصدأ الأمريكية، ويقال إن ترامب اختاره لخلفيته وحضوره على المسرح بقدر ما اختاره لسياساته. ولكنه صنع لنفسه أيضاً اسماً باعتباره من أبرز المنتقدين للمساعدات المقدمة لأوكرانيا.

أوكرانيا خارج الاهتمام

وقال فانس في مقابلة على بودكاست "غرفة الحرب" لستيف بانون في عام 2022: "أعتقد أنه من السخف أن نركز على هذه الحدود في أوكرانيا، يجب أن أكون صادقاً معك، أنا لا أهتم حقاً بما يحدث لأوكرانيا بطريقة أو بأخرى".

في مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير (شباط)، وجه ما وصفه موظفوه بأنه "نداء إيقاظ" إلى أوروبا، حيث قلل من أهمية التهديد الذي يشكله زعيم روسيا، وقال إن الولايات المتحدة لا تستطيع تصنيع الأسلحة اللازمة لتزويد أوكرانيا بها لمواصلة الحرب.
وأكد فانس "لا أعتقد أن بوتن يشكل تهديداً وجودياً لأوروبا، وإلى الحد الذي يمثله بالفعل، فإن هذا يشير مرة أخرى إلى أن أوروبا يجب أن تتخذ دوراً أكثر عدوانية في أمنها".
وأشار فانس أيضاً إلى أنه يعتقد أن حرب أوكرانيا "ستنتهي بسلام تفاوضي"، وهي وجهة نظر بدا أنها مدعومة يوم الثلاثاء من قبل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي كان مسافراً في "مهمة سلام" مارقة إلى موسكو ومار إيه لاغو، وكتب في إحدى الصحف أن ترامب بعد الانتخابات سيبدأ في العمل "كوسيط سلام على الفور"، حتى قبل تنصيبه.
سيرهي كوديليا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بايلور، قال على موقع "إكس": "نعم، سيحدد ترامب في نهاية المطاف السياسة تجاه أوكرانيا، لكن اختيار فانس يخبرنا بكل ما نحتاج معرفته حول الكيفية التي يريد ترامب التعامل بها مع أوكرانيا بمجرد أن يصبح رئيساً، لا عضوية لحلف شمال الأطلسي لأوكرانيا، وخفض المساعدات العسكرية والاقتصادية، وإجبار زيلينسكي على الجلوس على طاولة المفاوضات مع بوتين".

وفي ذلك الخطاب، قال فانس أيضاً إنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تنسحب من حلف شمال الأطلسي أو "تتخلى عن أوروبا"، ولكن يجب على واشنطن أن "تتحول" نحو آسيا، مما يعني سياسة أكثر عدوانية لاحتواء الصين.
وتابع: "يتعين على الولايات المتحدة أن تركز بشكل أكبر على شرق آسيا، وهذا سيكون مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية على مدى السنوات الأربعين المقبلة، ويتعين على أوروبا أن تستيقظ على هذه الحقيقة".