متحف اللوفر أبوظبي (أرشيف)
متحف اللوفر أبوظبي (أرشيف)
الخميس 6 فبراير 2020 / 19:01

ميلاد المتحف...التاريخ والنظرية والسياسات

يعرّف ميشيل فوكو في مقالته عن "الفضاءات الأخرى" الأماكن المغايرة (heterotopias) بوصفها الأماكن التي يمكن أن نجد فيها في وقت واحد تمثيلاً وتعارضًا وقلبًا لكلِّ الفضاءات الحقيقية الأخرى داخل الثقافة.

يصدر متحف لوفر_أبوظبي عن مفهوم استثنائي جدًا لايشبه فيه متاحف العالم الأخرى ولايستنسخها

وتأسيساً على هذا الأمر يرى فوكو أنَّ المتحف والمكتبة، وكلاهما من الأماكن المغايرة لزمنٍ متراكمٍ إلى ما لا نهاية، يختصان بالثقافة الغربيّة في القرن التاسع عشر على وجه الخصوص. يقول فوكو: "إنَّ فكرة مراكمة كلّ شيء، تأسيس نوع من الأرشيف الجامع، وإرادة أن نحتجز في مكان واحد كلّ الأزمنة، وكلّ الحقب، وكلّ الأشكال، وكلّ الأذواق، فكرة إقامة مكان يجمع كل الأزمنة فيما هو نفسه خارج الزمن ولا يدخله خراب الزمن، المشروع الرامي إلى تنسيق نوع من التراكم المستمر واللانهائي للزمن في مكان ساكن، لهي فكرة تنتمي إلى حداثتنا".

اشتغل طوني بينيت Tony Bennett في كتابه "ميلاد المتحف، التاريخ والنظرية والسياسات" The Birth of the Museum,History,Theory,Politics على مقاربة جينالوجية؛ أيّ توصيف تشكّل المتحف والتطورات المبكّرة في سيرته للتعرّف إلى سياسة المتحف وتوجهاته السياسية. لقد كانت هناك بعض الأسئلة الثقافية الكبرى التي شغلت ذهن المؤلف طوني بينيت وهو ينجز دراسته، ومنها: ما وظيفة المتحف الثقافية؟ وكيف تطوّرت المتاحف الحديثة؟ ويضع بينيت المتحف في صلب العلاقات الحديثة بين الثقافة والسياسة؛ فهو ينظر إلى المتحف العمومي بوصفه إصلاحية للسلوك حيث تُقام مجموعة من العروض والنشاطات الاجتماعية المنظَّمة. ويلقي بينيت الأضواء في كتابه على العلاقة بين الأشكال الحديثة للثقافة الرسمية والشعبية، من خلال مناقشة التطوّر التاريخي للمتاحف إلى جانب المهرجانات والمعارض الدولية. لقد استقصى بينيت نماذج عدة من بريطانيا وأستراليا وأمريكا الشمالية لمعرفة الكيفية التي نظُّمت بها المتاحف والمعارض في القرنين التاسع عشر والعشرين مقتنياتها وزوارها، وصولاً إلى سياسات المتحف المعاصر وتوجهات السياسية. وفي حديثه عن "المتاحف والتقدّم، السرد، الإيديولوجيا، الأداء" تحدّث بينيت عن متاحف الإنسان بوصفها سروداً ثقافية تحمل شحنات أخلاقية عن التماثل البشري بصفته جزءًا من عملية تعليمية واعية تهدف إلى فصل المصنوعات والبقايا الإثنولوجية التي يعرضها المتحف عن افتراضات الفكر الارتقائي للقرن التاسع عشر.

لقد انتبه الناقد والروائيّ السيميولوجيّ الإيطاليّ إمبرتو إيكو إلى علاقة نشأة المتاحف الأوروبيّة منذ عصور النهضة الأوروبيّة بفكر الموسوعات والتجميع الذي ساد أوروبا في تلك الحقبة الزمنية. ولا تخلو دولة في العالم كلّه من وجود متحف تأسيسيّ فيها على اختلاف الأطروحات والأفكار الثقافية الخاصة به. ولا شك أنَّ عدداً كبيراً من المتاحف الأوروبيّة يتميز بطابعه الكولونيالي في تجميعه بعض الآثار العائدة إلى الدول التي كانت تمثل مستعمرات له (المتحف البريطاني هو شاهد قويّ في هذا المجال)، في حين نجد بعض المتاحف العالميّة تصدر عن أطروحة إنسانية ثقافية خاصة بها، وأشير هنا إلى متحف لوفر_ أبوظبي القائم على فكرة ثقافية كونية هي البحث عن المتشابه الإنسانيّ والثقافيّ بين حضارات العالم من خلال أطلس ثقافيّ تفاعليّ، ومن خلال مجموعات من الآثار من مختلف دول العالم تؤكّد وجود هذه المتشابهات الثقافية الحضارية. وبالتالي يصدر متحف لوفر_أبوظبي عن مفهوم استثنائي جدًا لايشبه فيه متاحف العالم الأخرى ولايستنسخها، وهذه هي المتاحف الكونيّة الذكية جدًا التي تحرِّض على المعرفة، وليس مجرد الفرجة فقط. كتاب "ميلاد المتحف، التاريخ، والنظرية والسياسات"، من ترجمة محمد المبارك وحياة حسنين، ومن إصدارات هيئة البحرين للثقافة والآثار، 2019، ضمن مشروع "نقل المعارف" الذي تشرف عليه الهيئة.