تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الخميس 16 أبريل 2020 / 18:59

كورونا بين "أدب الأوبئة" و"أدب العزلة"!

مئات من النصوص التي أنتجها أدباء من مختلف دول العالم عن الأوبئة الكونيّة الكبرى.. فماذا عن الأدب العالميّ الذي ستنتجه الجائحة العالميّة "كورونا"؟!

مبادرة "أدب العزلة" هي مبادرة أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة، وهي مؤسسة ثقافية حكومية سعودية.

تهدف مبادرة "أدب العزلة" إلى استثمار فترة البقاء في المنزل للوقاية من فايروس كورونا لتحفيز ممارسة التدوين والكتابة الأدبيّة. وتصدر أهداف هذه المبادرة في إيجاد فرصة للاختلاء بالذات، والتعبير عن المشاعر ومحاورة الأفكار، وتوظيف العزلة في إنتاج مشروع أدبي لتوثيق الأحداث الحالية، وخلق حالة من التفاعل المجتمعيّ في وسائل التواصل الاجتماعيّ تبثُّ روح الأمل والتفاؤل، واكتشاف مواهب أدبيّة تثري المشهد الأدبيّ. وتشتغل هذه المبادرة على توظيف الفضاءات التفاعلية الإلكترونية من خلال التفاعل مع هاشتاق "أدب العزلة" لكتابة نص أدبي، وإرسال نصوص أدبيّة طويلة عبر المنصة الإلكترونيّة المخصّصة لذلك. وفي دول العالم المختلفة انطلقت مبادرات ثقافية مشابهة انطلق بعضها إلى الفضاءات الإلكترونية لتوثيق هذه العلامة الفارقة الصحيّة..جائحة كورونا العالميّة؛ أو لتحفيز الناس على البقاء في "العزل المنزلي" من خلال توفير منصات ثقافية جاذبة تغري بالمتابعة.

إنَّ هناك أنساقاً ثقافية كبرى رابطة بين الأدب والأوبئة؛ فهناك أعمال أدبيّة خلَّدها التاريخ الأدبيّ العالميّ وهي صادرة عن هذه العلاقة البنيوية. في عام 1911 كتب الروائيّ الألمانيّ توماس مان رائعته الروائية "الموت في فينيسيا"أو "الموت في البندقية"، وفقًا للترجمات العربية. لقد كان توماس مان واقعًا تحت تأثير فلسفة فردريك نيتشه وشوبنهاور عندما نظر إلى جمالية "الوباء" وفكّكه فلسفيًا. وأصدر الكاتب الفرنسيّ ألبير كامو روايته "الطاعون" سنة 1947م، وحازت هذه الرواية جائزة نوبل في الآداب. لقد رصد كامو في هذه الرواية قصة عاملين في المجال الطبي بمدينة وهران الجزائرية زمن انتشار الطاعون، وبيان تلاحمهم وتآزرهم رغم انتمائهم إلى طبقات اجتماعيّة مختلفة في سرد أليغوري رمزي يعني به كامو باريس الموازية.

 وتساءل كامو في هذه الرواية التي كتبها بعيد انتهاء الحرب العالميّة الثانية بسنتين عما إذا كان بإمكاننا تصوّر المعاناة بوصفها تجربة مشتركة وليست عبئاً فردياً. لقد كان كامو يدرك ويعترف بعالمية المعاناة؛ فالطاعون حدث استثنائيّ رهيب يمكن أن يجتاح أيّ أحد بسرعة قاتلة. إنَّ السارد في رواية "الطاعون" هو الطبيب برنار ريو، والغريب جان تارو الذي استغرق في تأملاته الأخلاقية، وكلاهما قادا فرق الإصحاح البيئيّ الطوعية التي كانت تنقل الجثث، وتعزل المرضى مما ساعد في حماية الأصحاء من السكان. وفي خاتمة الرواية يقول ساردها "بكتيريا الطاعون لاتموت ولاتزول أبداً، وأنها يمكن أن تبقى عشرات السنين نائمة في قطع الأثاث والغسيل، تنتظر بطول أناة في الغرف والأقبية وصناديق الأمتعة والمناديل والورق، وقد يجيء يوم، لبلية البشر وعبرتهم، يوقظ فيه الطاعون جرذانه ويرسلهم كي يموتوا في مدينة هانئة".

وفي رواية"العمى" للروائيّ البرتغاليّ جوزيه ساراماغو تتحدث الرواية عن وباء غامض يصيب إحدى المدن، حيث يُصاب أهل هذه المدينة بالعمى فجأة، مما يخلق موجة من الذعر والفوضى العارمة التي تؤدي إلى تدخل الجيش من أجل السيطرة على الأوضاع. إنَّ ساراماغو يوظف "العمى" في رمزية دالة على "العمى الفكري. تقول زوجة الطبيب في نهاية الرواية: "لا أعتقد أننا عمينا بل أعتقد أننا عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لايرون"، في إشارة إلى أنَّ الأخلاق البشرية والمبادئ الإنسانية هشة أمام العوز البشريّ. ما بين "الطاعون" لأليير كامو، و"قصيدة الكوليرا" لنازك الملائكة، و"العمى" لجوزيه ساراماغو، والحب في زمن الكوليرا"، و"مائة عام من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز ورواية "القلعة البيضاء" للتركي أورهان باموق، و ورواية "إيبولا 76" للروائيّ السودانيّ أمير تاج السر..

 مئات من النصوص التي أنتجها أدباء من مختلف دول العالم عن الأوبئة الكونيّة الكبرى.. فماذا عن الأدب العالميّ الذي ستنتجه الجائحة العالميّة "كورونا"؟! هل سيكون "كورونا" مسارًا فارقًا في تاريخ الأدب العالمي أيضًا، وليس فقط السياسة والاقتصاد؟!