السبت 9 مايو 2020 / 23:40

الأمم المتحدة ومشكلات العالم قبل كورونا ومعها

الوقت قد حان كي ينطلق العالم من مخططات تراكمت وتطورت على مر القرون حتى وصلت إلى الأمم المتحدة، التي عليها أن تجدد أدواتها في سبيل مساعدة العالم على عيش أفضل


قبل أن تضرب جائحة كورونا عالمنا المعاصر، حاولت الأمم المتحدة التصدي، دون جدوى، لحل مشكلات حول البيئة والصحة وخلافها، وكانت هذه المحاولات تتكسر على نصال صراع الدول الكبرى التي ظلت طيلة الوقت تفضل مصالحها الضيقة والمباشرة على حساب مصالح البشر أجمعين.

يمكن هنا الإشارة إلى عدة محاولات للمنظمة الدولية الكبرى، مثل قيامها بتشكيل لجنة عالمية للبيئة والتنمية برئاسة رئيسة وزراء النرويج آنذاك، وطلبت منها أن تعد، بمساعدة فريق من الباحثين والخبراء، دراسة مشكلات البيئة والتنمية فوق كوكب الأرض، وكيف يمكن استخدامها من دون الجور على مقدرات الأجيال القادمة. بل وصل الأمر إلى مساهمة الآلاف في هذه الدراسة وهو ما عبرت عنه رئيسة اللجنة بقولها: "لقد ساهم الآلاف من الناس من جميع أنحاء العالم في عمل اللجنة بالوسائل الفكرية والمالية، وبمشاركتنا في تجاربهم بواسطة التعبير عن حاجاتهم ومطالبهم". وقد وجهت اللجنة نتائج عملها إلى الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والقطاعات الخاصة عبر العالم كله، ودعت الجميع إلى التضافر من أجل مواجهة التحديات التي تجابه البيئة والتنمية. وهناك دول استفادت من نتائج هذا الدراسة، وأخرى لم تلق لها بالا.

ومع مطلع تسعينيات القرن العشرين، وفي إطار الأمم المتحدة، اجتمعت لجنة "إدارة شؤون المجتمع الدولي" والمكونة من ثمانية وعشرين شخصية عالمية، متنوعة الخبرات والاهتمامات والمسؤوليات، لدراسة الأساليب التي من شأنها أن تساعد المجتمع الدولي على إدارة قضاياه، ومواجهة تحدياته، وحل مشكلاته، على أفضل وجه ممكن.

واعتقدت هذه اللجنة، التي لم تكن تعني أبدا إقامة حكومة عالمية أو عالم لا نظم فيه ولا قواعد، في أن وجودها هو جزء من تطور الجهود الإنسانية لتنظيم الحياة على كوكب الأرض، ورأت أنها لا تقدم برنامج عمل يصلح لكل العصور، لكنها مقتنعة بأن الوقت قد حان كي ينطلق العالم من مخططات تراكمت وتطورت على مر القرون حتى وصلت إلى الأمم المتحدة، التي عليها أن تجدد أدواتها في سبيل مساعدة العالم على عيش أفضل.

واستهدفت اللجنة إقامة "عالم جديد" منطلقة من أن "قدرة الناس الجماعية على تشكيل المستقبل هي أكبر الآن من أي وقت مضى، كما أن الحاجة إلى ممارستها أصبحت الآن أكثر إلحاحا، والتحدي الرئيسي الذي يجابه هذا الجيل هو حشد تلك القدرة من أجل جعل الحياة في القرن الحادي والعشرين أكثر ديمقراطية، وأكثر أمنا واستمرارية، والعالم في حاجة إلى رؤية جديدة يمكن أن تحرك البشر في كل مكان لتحقيق مستويات أعلى من التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، والمصير المشترك".

وحوى التقرير الذي أصدرته اللجنة دراسة للظواهر والحالات والمشكلات التي يمر بها العالم مثل العولمة، وسباق التسلح، وتصاعد النزاعات المدنية والعنف واسع النطاق، والفقر، ومستقبل القطاع الخاص، وأوضاع السكان، وموارد الأرض، ووسائل الإعلام، والتغير الذي طرأ على المجتمع المدني، وكيفية تمكين الشعوب، وإيجاد القيادة المستنيرة. وبعدها طرح التقرير عدة قيم من شأنها أن تزيد من متانة الجيرة في العالم بأسره بمعالجة أسباب التوتر وفرض أخلاقيات للجوار. وحُددت هذه القيم في احترام الحياة والحرية والعدل والمساواة والاحترام المتبادل ومراعاة الغير والنزاهة، ثم طرح عدة معايير لإقامة نظام أخلاقي مدني عالمي مثل الحقوق العامة، والمد الديمقراطي، ومكافحة الفساد، وإقامة الديمقراطية، وتعزيز الشرعية، وواءم بينها وبين المعايير القديمة مثل السيادة وحق تقرير المصير.

ونظر التقرير في إمكانية تعزيز الأمن الإنساني عبر إجراءات لتجنب الحروب والعنف والفوضى، والإنذار المبكر، وإرسال بعثات تقصي الحقائق، والتسوية السلمية للمنازعات، وخلق أدوار جديدة لحفظ السلم، وتحمل نفقاته، وتفعيل العمل بالفصل السابع لمجلس الأمن الدولي، وإنشاء قوة متطوعين تابعة للأمم المتحدة، وإنهاء التهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل، وتجريد المجتمع الدولي من الطابع العسكري.

وتطرق التقرير إلى المسائل الاقتصادية، فدعا إلى إدارة الاعتماد المتبادل في المجال الاقتصادي، ومواجهة الفقر، وتعزيز النمو، واستغلال الطاقات البشرية المعطلة والمهملة، وإقامة نظام تجاري متعدد الأطراف يتسم بالقوة، وإصلاح عمل صندوق النقد الدولي وتوظيف جهوده لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي، وإعادة التفكير في مبادئ الإدارة، ومعالجة أزمات الديون، وإطلاق تقنيات من أجل التنمية، والتصدي للكوارث البشرية والطبيعية، والنظر في إنشاء "مجلس أمن اقتصادي"، والعمل على حماية البيئة العالمية.

ونظر التقرير في إمكانية إصلاح الهيئات التابعة للأمم المتحدة نفسها، لاسيما الجمعية العامة ومجلس الأمن والقطاعات الاجتماعية والاقتصادية والهياكل التنظيمية، وخلق المجتمع المدني العالمي، وتعزيز سيادو القانون على الصعيد العالمي.

بالطبع فإن هاتين المحاولتين مرتا وكأن شيئا لم يكن، لذا لا أتوقع أن تكون محاولة الأمم المتحدة حاليا المساعدة في حل أزمة كورونا ناجعة، أو تلقى تحذيراتها بأن الوباء ستسبب في مجاعة عالمية آذانا مصغية، لاسيما في ظل الصراع الدولي الذي بدأ يظهر في ركاب الجائحة، لاسيما بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.