مركز للاقتراع في فرنسا (أرشيف)
مركز للاقتراع في فرنسا (أرشيف)
الخميس 27 يونيو 2024 / 14:54

أوروبا والناتو يحبسان الأنفاس ترقباً لأهم انتخابات فرنسية منذ الحرب العالمية الثانية

قد تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة في فرنسا، في 30 يونيو (حزيران) الحالي، الأكثر تأثيراً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ليس فقط لفرنسا، بل وأيضاً بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وحلف الأطلسي، وما تبقى من النظام الدولي الليبرالي في مرحلة ما بعد الحرب.

هذا ما يراه المرصد الأوروبي للعلوم السياسية، الذي يعتبر أنّ موقع فرنسا القيادي في الاتحاد الأوروبي، ومقعدها الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقدراتها العسكرية والنووية كقوة عالمية، يجعل من هذه الانتخابات "انتخابات عالمية" بقدر ما هي انتخابات بايدن ضدّ ترامب على رئاسة الولايات المتحدة.

قلق الشركاء

وتُثير الانتخابات في فرنسا قلق شركائها الذين احتفوا مؤخراً بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو الأمر الذي لا بدّ وأن يبعث للعالم برسالة وحدة وإشارة قوية بشأن اندماج أوكرانيا في الأمن الأوروبي الأطلسي.

يعتمد الزلزال السياسي على من قد يفوز، وفي الطليعة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، الذي نشأ، وفق المرصد الأوروبي، من نظام المارشال فيليب بيتان الذي حكم فرنسا بعد الجمهورية الثالثة عقب الهزيمة أمام ألمانيا وتعاون مع النازيين من خلال حكومة "فيشي" من 1940-1944. وهو الحزب الفرنسي الذي يرتبط اليوم بعلاقات إيديولوجية ومالية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وقالت رسالة مفتوحة وقعها في نهاية الأسبوع الماضي 170 دبلوماسياً فرنسياً سابقاً إنّ موسكو وبكين ستعتبران انتصار اليمين المتطرف "إضعافاً لفرنسا ودعوة للتدخل في حياتنا الوطنية.. والعدوان على أوروبا وإخضاعها".

ألمانيا، ذعر وقلق

ينظر الألمان بصدمة وعدم تصديق إلى الفوضى السياسية الفرنسية قبل أيام قليلة من الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية. وفي مواجهة ما يُسمّيه الجميع في باريس "الفوضى" أو "موجات الصدمة"، فإنّ الذعر والقلق واضحان في أروقة السلطة في برلين. حتى أنّ أولاف شولتس، الذي ظل صامتاً منذ الإعلان عن حلّ الجمعية الوطنية الفرنسية، تحدّث مؤخراً.

إذ ولأوّل مرة يخرج المُستشار الألماني عن التحفظ الذي يتبعه عادة عندما يتعلق الأمر بالتعليق على القرارات التي يتخذها شركاؤه في الاتحاد الأوروبي، مُعبّراً في حوار تلفزيوني عن قلقه من احتمال فوز اليمين المُتطرّف في فرنسا في الانتخابات التشريعية المبكرة. وقال شولتس "أشعر بالقلق من الانتخابات في فرنسا.. آمل أن تنجح الأحزاب غير المحسوبة على مارين لوبن في الانتخابات. لكنّ القرار يعود إلى الشعب الفرنسي".

حماسة في إيطاليا

تشرح أناييس جينوري، الصحفية الفرنسية الإيطالية، ومراسلة "لا ريبوبليكا" اليومية في باريس، سبب الحماسة الشديدة في إيطاليا لهذه الانتخابات التشريعية المبكرة، إلى الاهتمام بهذه التطورات غير المسبوقة من قبل الإيطاليين، خاصة وأنّ حزب رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني "فراتيلي دي إيطاليا" الذي تتزعمه وقوى يمينية أخرى، تفوّق على حزب الرئيس الفرنسي في انتخابات البرلمان الأوروبي قبل أيام. وتميل ميلوني، إلى التقارب أكثر نحو اليمين في حالة فوز اليمين المُتطرف في الانتخابات التشريعية الفرنسية.

وحكمت صحيفة "إيل سولو" الإخبارية الإيطالية على ماكرون بأنّه مسؤول عن "زعزعة استقرار أوروبا "، واعتبرت الصحيفة اليمينية الليبرالية أنّ مارين لوبان هي أكثر تطرّفاً من جيورجيا ميلوني، ففي السياسة الخارجية، وفيما يتعلق بالهجرة، هناك اختلافات كثيرة، إذ أنّ ميلوني ابتعدت عن نموذج لوبان في أوروبا لتقترب من النموذج السائد حالياً. وبالتالي إن عادت رئيسة وزراء إيطاليا إلى نموذج زعيمة الحزب اليميني المُتطرّف في فرنسا، فإنّ مشروعها وأيديولوجيتها في خلق يمين مُعتدل في إيطاليا، وبالتالي الفوز، سوف تصطدم بعرض الحائط.

البرتغال تهتز

وتراقب الصحافة البرتغالية بقلق الانفجار السياسي الفرنسي الكبير الذي قد يضعف استقرار الاتحاد الأوروبي. وعلى غير العادة كل الأنظار في البرتغال تتجه اليوم نحو فرنسا. ومن المؤكد أنّ البرتغاليين شعروا بهول المفُاجأة وبالفزع إزاء العواقب التي يخلفها التصويت الفرنسي على مستقبل الاتحاد الأوروبي، والذي يرتبط به البرتغاليون عموماً بشكل أكبر من الفرنسيين، ربما لأن البرتغال تستفيد كثيراً على مستوى الميزانية.

ويُحذّر موقع "بوبليكو"، الذي يتوقع أن يؤدي فوز حزب الجبهة الوطنية إلى إجبار ماكرون على التعايش، من أنّ "هذا الوضع قد يُعيق السياسة الخارجية، ليس فقط في باريس، بل وسيؤثر على الاتحاد الأوروبي بأكمله".

لكن، بطبيعة الحال، سيكون دائماً رئيس الجمهورية الفرنسية الحالي المؤيد لأوروبا هو الذي سيجلس على طاولة المجلس الأوروبي حتى عام 2027 على الأقل، باستثناء أي مفاجآت. تُحاول الصحافة البرتغالية أن تذكر ذلك بأسلوب دبلوماسي مُطمئن، مُشيرة إلى أنّ السياسة الخارجية الفرنسية هي امتياز عرفي لرئيس الدولة، منذ ديغول باني النظام شبه الرئاسي الحالي.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما الموقف الذي ستتخذه فرنسا تجاه الشؤون الأوروبية إذا استولى اليمين القومي الشعبوي على السلطة، أو في حالة الشلل في الجمعية الوطنية بسبب عدم وجود أغلبية، كيف سيدير الاتحاد الأوروبي شؤونه؟ للمُضي قُدماً في قضاياه الأكثر استراتيجية! ليؤكد الموقع الإخباري البرتغالي "بوبليكو" أنّ "أوروبا التي نعرفها اليوم بُنيت على التحالف بين فرنسا وألمانيا".