الجمعة 24 مايو 2024 / 16:41

وفاة رئيسي تخلط الأوراق: خلافة خامنئي تحت المجهر

جدَّدَت وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي المفاجِئة الاهتمام بمسألة خلافة منصب المرشد آية الله علي خامنئي، فبينما كان رئيسي المرشح الأوفر حظاً، أمسى الموقف كله غامضاً الآن.

ما الآثار المترتبة على بقية إيران والمنطقة؟

ولا يُفترض أن تكون خلافة خامنئي مشكلة في إيران، فمجلس الخبراء يختار المرشد الأعلى القادم.

ولكن، لا شيء يسير بحسب الخطة الموضوعة. فقبل وفاة آية الله روح الله الخميني، تفاوضت شخصيات بارزة من مختلف مراكز السلطة واستقرت على خامنئي، الذي كان يُعدُّ ضعيفاً آنذاك، ليخلفه مستقبلاً.

مشكلة ثلاثية الأبعاد

لكنّ المشكلة ثلاثية الأبعاد هذه المرة، حسب ما أفاد مقال  في "ناشيونال إنترست" لمايكل روبين مدير تحليل السياسات في منتدى الشرق الأوسط وزميل أقدم في معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة
أولاً، أياً كان توازن القوى الداخلي الذي كان موجوداً إبان وفاة الخميني فقد انتهى. فالحرس الثوري الإيراني مثلاً ليس قوةً عسكرية وحسب،  وإنما أيضاً تكتل تجاري تبلغ قيمته مليارات الدولارات، ولن يخاطر بمصالحه المالية من أجل قائد لا يوافق عليه.

ثانياً، لا يوجد إطار زمني محدد مرتبط بالخلافة. ففي إيران، يمكن لمجلس الخبراء اختيار خليفة بعد يومين أو بعد عامين.  

ثالثاً، تبدو الجائزة عظيمة. فقد ظلَّ خامنئي على رأس ديكتاتورية دامت 35 عاماً، ولم يقتصر الأمر على سلطة دينية وسياسية واسعة فحسب، وإنما شمل السيطرة على ثروة كبيرة تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للعديد من دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا.

عندما تضعف إيران يتحرّك الأكراد الإيرانيون

وأشار الكاتب إلى أنه خلال أواخر القرن التاسع عشر، تبددت قوة إيران، فقد أوهنتها روسيا والمملكة المتحدة بتدخلاتهما سياسياً ودبلوماسياً.

وقيدت الدولتان إيران بتوريط الشاه المبذر في الديون. وكانت طهران ضعيفة، لكن المنطقة الكردية كانت أضعف. فأغار رجال القبائل عبر الحدود العراقية، وأصبح الأعيان المحليون يتمتعون بحكمٍ ذاتي فعلي.
وأرسلَ الشاه في النهاية قواته إلى الحدود. ومع ذلك، لم تستمر حالة الاستقرار طويلاً. فقد ميّز عدم الاستقرار السياسي العقود الأولى من القرن العشرين في إيران.
وبعد سنوات من النضال، نجحت الثورة الدستورية وإذا بها تواجه ثورة مضادة مدعومة من روسيا وغزواً فاشلاً.

وانتفضت القبائل وأكَّدت استقلالها الذاتي مجدداً، خاصةً في المنطقة الكردية الجبلية. وعُيِّنَ الشاه رضا خان، قائد لواء القوزاق الفارسي، مسؤولاً عن إعادة تأكيد سلطته. وأنجز رضا خان مهمته بحماسة ووحشية، حتى أن هيبته طمست هيبة الشاه الذي أطاح به في نهاية المطاف، ونصَّبَ نفسه رضا شاه في عام 1925. 

انطلقَ رضا شاه انطلاقةً قوية، لكن رياح الحرب كانت تلوح في الأفق. فبعد أن احتلت المملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي شرق إيران عام 1941 لتأمين طريق إمداد بديلٍ للجيش الأحمر، أجبر الحلفاء الشاه على التنازل عن العرش ونفوه بسبب شكوكهم في موالاته لألمانيا. وتولى ابنه محمد رضا شاه العرش. وسدَّ الشاه الجديد الفراغ في طهران، ولكن ليس في المناطق المتاخمة.
عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، انسحب البريطانيون والأمريكيون، لكن القوات السوفيتية بقيت في أذربيجان الإيرانية، مما أثارَ أول أزمة حقيقية في الحرب الباردة. وأجبرَ الضغط الدبلوماسي في نهاية المطاف السوفييت على الانسحاب، لكنهم تركوا وراءهم فراغاً سعى الأكراد الإيرانيون إلى سده بجمهوريتهم الانفصالية. ومرّ عام قبل أن تحتشد القوات الإيرانية وتعيد احتلال المنطقة وتشنق زعماء الأكراد.
وبعد نجاح الثورة الإسلامية، تحرّك الخميني لإعادة ترسيخ سيطرة طهران على الدولة بأكملها.

واقتضى ذلك إرسال صادق خلخالي، قاضي الإعدامات الذي كان يشرف على تنفيذ أحكام الإعدام في المنطقة. وأنشأ محاكم ثورية حكمت على مئات الأكراد بالإعدام. ولمّا كان آذرياً، فقد سُرَّ كل السرور بالقيام بمهمته. إن أكثر وحدات الحرس الثوري وحشية التي تعمل في كردستان الإيرانية إلى الآن من العرق الأذري.
قمعت إيران الأكراد، ولكن ليس لفترة طويلة. فخلال الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، كانت أشهر المعارك في الجنوب، لكن الإيرانيين يقولون إن الجبهة الأكثر رعباً كانت في كردستان إيران. لم يكن الأكراد أصدقاءً للرئيس العراقي صدام حسين، لكنهم لم يهتموا كثيراً بالخميني أيضاً. ولذلك زادت شعبية الجماعات الكردية مثل حزب كومله والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني.
واليوم يبالغ المسؤولون الإيرانيون في نسبة المشاركة في الانتخابات سعياً لاستخدامها مقياساً لشرعية النظام، لكن الأكراد الإيرانيين يبلغون عن مستويات متدنية من المشاركة في الانتخابات، حتى أن نزوع الذين أجبرتهم السلطات على التصويت إلى إفساد بطاقاتهم الانتخابية عمداً أثار انتباه خامنئي.

خلافة متنازع عليها

وقال الكاتب في مقاله بموقع "ناشونال إنترست": عندما يموت خامنئي، فالأرجح أن تكون هناك خلافة مُتنازَع عليها وفراغ في السلطة. وسيعزز الحرس الثوري الإيراني وجوده في طهران سعياً منه لتأمين الجائزة لنفسه أو لوكيله من رجال الدين، أو لقطع الطريق إلى السلطة أمام مَن يعارضه. والحرب الأهلية احتمال وارد. وستنتهي هذه الحرب إما بانفصال الأكراد الإيرانيين وإما بمجازر ترتكبها القوات الإيرانية بحق الأكراد الإيرانيين.

في عام 1991، عندما سعى صدام حسين إلى إعادة تأكيد سيطرته على العراق عقب عملية عاصفة الصحراء، وجَّه الحرس الجمهوري لاستهداف الأكراد العراقيين بشكلٍ جماعيّ. وكان أكراد العراق يعرفون ما يستطيع صدام أن يفعله. فقبل ثلاث سنوات فقط، ألقت القوات العراقية أسلحة كيميائية على مدينة حلبجة، مما أسفر عن مقتل ما بين 5000 و8000 من الرجال والنساء والأطفال الأكراد. وخوفاً من تكرار ما حدث، بدأ أكثر من مليون كردي يفرون باتجاه الحدود التركية.
ولم تكن تركيا تود استضافة هذا العدد الكبير من اللاجئين الأكراد بينما كانت تحارب تمرداً كردياً. فاقترح الرئيس التركي آنذاك تورغوت أوزال إقامة ملاذ آمن شمال العراق. وفي النهاية، استضافت تركيا أيضاً منطقة حظر جوي للدفاع عن الموظفين الأمريكيين والأوروبيين وموظفي الأمم المتحدة الذين يقومون بأعمال الإغاثة الإنسانية في الملاذ الآمن.

 حظر جوي فوق كردستان إيران؟

عندما يموت خامنئي، سيؤكد الأكراد الإيرانيون على الحكم الذاتي. وبينما يعزز النظام الإيراني الجديد سيطرته، سيسعى إلى سحقهم. وستتصرف وحدات الحرس الثوري أو مَن يخلفها من قدامى الحرس الثوري بوحشيةٍ شديدة، ربما بتحريض من الأذريين الإيرانيين. وستكون النتيجة تكراراً لأحداث عام 1991 من فرار الأكراد الإيرانيين عبر الممرات الجبلية إلى كردستان العراق أو تركيا.

وفي ظل تمركز طائرات أمريكية في تركيا والعراق وكردستان العراق، يصبح السؤال المطروح هو: هل ستدعم الولايات المتحدة فرض منطقة حظر جوي فوق كردستان إيران؟ وإن فعلت، فما الآثار المترتبة على بقية إيران والمنطقة؟ يتساءل الكاتب في ختام مقاله.