الرئيسان الإيراني الراحل ابراهيم رئيسي والأذري إلهام علييف (أرشيف)
الرئيسان الإيراني الراحل ابراهيم رئيسي والأذري إلهام علييف (أرشيف)
الأربعاء 12 يونيو 2024 / 18:23

طهران تتطلع إلى باكو لحماية حدودها مع أرمينيا

ناقش صناع السياسات والخبراء بإسهاب حادث مقتل الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان وآخرين في تحطم طائرة هليكوبتر كانوا على متنها، ومع ذلك، يرى أندرو بوني، زميل باحث في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، أن أصل هذه الرحلة المشؤومة لم يحظ بمناقشة كافية، مشيراً إلى سد على نهر أراس.


وأشار الكاتب في مقاله بموقع "ناشونال إنترست" إلى أنه في العام الماضي، واجهت إيران أذربيجان بسبب استفزازاتها على الحدود الأذربيجانية- الأرمينية، وهي حدود حيوية للمصالح التجارية والأمنية الإيرانية. والآن تبذل طهران جهوداً شاقة لفتح السدود والجسور مع باكو لكسب النفوذ من خلال التعاون الذي لم تتمكن من اكتسابه من خلال المواجهة. ولكن على غرار توجيه طائرة هليكوبتر عتيقة عبر الجبال الضبابية، قد يُحكم على هذه الجهود أيضاً بالفشل.
قدم الوضع قبل عام 2020 في ناغورنوقره باغ لإيران العديد من الفوائد. فقد ضمنت السيطرة الأرمنية على ناغورنو-قره باغ والأراضي المحيطة بها أمن حدود إيران مع أرمينيا وطرق تجارتها إلى منطقة البحر الأسود وأوروبا. كما أبقت حدود أرمينيا مع إيران طموحات أنقرة القومية التركية تحت السيطرة من خلال إعاقة الحدود المتجاورة بين أذربيجان وتركيا.

 

 


وعلى النقيض من ذلك، أربك نجاح أذربيجان في حرب ناغورنو قره باغ عام 2020 إيران وكشف عن ضعفها. وفي البداية، اتُهمت إيران بإرسال أسلحة إلى أرمينيا. وبدلاً من استخدام هذا الاتهام للوفاء بتهديداتها العديدة بالعمل العسكري ضد أذربيجان، استسلمت إيران للمنتصر الوشيك قائلة: "نعتقد أن نهاية الاحتلال ستجلب الاستقرار إلى المنطقة".
بالإضافة إلى هذا الإذلال، أدى اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا إلى إحباط طموحات إيران الإقليمية. أولاً، نص الاتفاق على تشكيل مركز لحفظ السلام، وهي العملية التي قامت بها روسيا مع تركيا، وليس إيران.
ومع ذلك، ربما عوض تأييد روسيا لاحقاً لصيغة 3+3 الإيرانية لحل القضايا القوقازية عن هذا الازدراء. وثانيا، والأكثر أهمية، أن اتفاق وقف إطلاق النار حدد "أن تكون جميع الروابط الاقتصادية والنقل في المنطقة مفتوحة" بين أذربيجان ونخجوان.
ومن خلال تضمين هذا المطلب الغامض، فتحت روسيا الباب أمام التفسيرات المختلفة التي اندمجت بسرعة في نقاش حول "ممر زانجيزور" الذي اقترحه علييف، وهي الفكرة التي تعاملت معها روسيا بغموض لكن إيران نظرت إليها بخوف.
وفي حين تراجع التحالف السياسي بين إيران وروسيا بعد حرب ناغورنو قره باغ عام 2020، توسع التعاون الاقتصادي. فالاضطرابات الاقتصادية في المنطقة تدفع إلى شراكة متنامية بين إيران وروسيا، لكن الجهود العدوانية التي تبذلها إيران لاحتواء المزيد من التوسع الأذربيجاني غالباً ما تفرق بين الشريكين.

اضطراب العلاقات الإيرانية الروسية

عندما أجرت أذربيجان تدريبات عسكرية مشتركة مع باكستان وتركيا على الحدود الشمالية الغربية لإيران، ردت إيران بتدريبات "غزاة خيبر" المصممة لردع أذربيجان الجريئة. وقد التزم الكرملين الصمت بشأن تدريبات أذربيجان، لكنه أدان علناً الرد الإيراني.
واستمر اضطراب العلاقات الروسية الإيرانية في القوقاز حتى عام 2022. في مارس (آذار)، أقامت القوات الأذربيجانية معسكرات في ما كان يعتبر شرق أرمينيا. وقد وفر عدم وجود ترسيم مناسب للحدود بين أرمينيا وأذربيجان، وهي القضية التي سلطت عليها حرب ناغورنو قره باغ الضوء في عام 2020، مبرراً لروسيا لعدم الامتثال لالتزاماتها تجاه منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

 


في هذا الوقت، اقترحت إيران ممر آراس كبديل لممر زانجيزور لربط أذربيجان بنخجوان ولكنه سيمر عبر إيران بدلاً من أرمينيا. ولكن، واصل علييف الإصرار على ممر زانجيزور أيضاً. وبعد أيام قليلة، اندلعت اشتباكات حدودية مميتة بين أرمينيا وأذربيجان، وبعدها وصلت علاقات إيران مع أذربيجان وعلاقات روسيا مع أرمينيا إلى مستويات متدنية جديدة.
وأثارت هذه الاشتباكات مرة أخرى مخاوف إيران بشأن غزو أذربيجان لسيونيك؛ وهو الغزو الذي أصبح ممكناً بشكل أكبر بسبب رفض روسيا أو عجزها عن السيطرة على أذربيجان حتى عندما تطلب منها منظمة معاهدة الأمن الجماعي ذلك، وهي المنظمة الأمنية المتعددة الأطراف التي أنشأتها بنفسها. وبناءً على ذلك، أجرت إيران سلسلة أخرى من التدريبات العسكرية على حدودها مع أذربيجان في أكتوبر.
وفي انتهاك واضح لاتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020، حاصرت أذربيجان فعلياً ناغورنو قره باغ من خلال إنشاء نقطة تفتيش على ممر لاتشين. أدت خيبة أمل أرمينيا في روسيا كحليف إلى التوجه إلى الاتحاد الأوروبي (وخاصة فرنسا) والولايات المتحدة. وافق بوتين ضمنياً على التوغل الأذربيجاني في 23 سبتمبر (أيلول) في ناغورنو قره باغ، حرصاً منه على تلقين باشينيان درساً. وثبت مرة أخرى أن التهديدات العسكرية الإيرانية لأذربيجان خالية تماماً من المعنى.

إيران ومحاولة إنقاذ هيبتها

وتأمل إيران في إنقاذ هيمنتها على المنطقة من خلال استبدال المواجهة بالتعاون. وعلى الصعيد الاقتصادي، ضاعفت طهران جهودها بشأن ممر أراس من خلال الإعلان عن سلسلة من مشاريع التنمية على طول نهري أراس وأستاراشاي.
وعلى الصعيد العسكري، أعلنت إيران عن تدريبات بحرية مشتركة مع أذربيجان، حتى في الوقت الذي أجرت فيه تركيا تدريبات مشتركة مع القوات الأذربيجانية والطاجيكية في نفس الوقت على الحدود بين أرمينيا ونخجوان.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، استخدمت إيران صيغة 3+3 لتأطير نهاية الصراع الإقليمي المجمد باعتباره عصرا جديدا من الاستقرار، ربما بهدف جعل التوغل في جنوب أرمينيا يبدو وكأنه زعزعة للسلام غير مبررة وليس استمراراً طبيعياً للهيمنة العسكرية الأذربيجانية.
وتحقيقاً لهذه الغاية، قال وزير الخارجية الأذربيجاني حسين أمير عبد اللهيان: "لقد انتهت الحرب في جنوب القوقاز الآن وحان الوقت للسلام والتعاون والتنمية في القوقاز".