الثلاثاء 25 يونيو 2024 / 09:05

هل ينجح اليمين المتطرف في حل مشكلة الهجرة؟

فاضل المناصفة - العرب اللندنية

صعود اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة كان له وقعه الخاص على الجاليات المهاجرة، كيف لا وهي تشاهد الأيديولوجيات المتطرفة التي شنت خطاباً عنصرياً ضدها منذ عقود قد اعتلت منابر الحكم، وهي بلا شك تعد العدة لمواجهتهم ولتضييق الخناق ضد مئات الآلاف منهم رافعة شعار "الهوية الوطنية فوق كل اعتبار".

وعلى الضفة المقابلة من البحر الأبيض المتوسط  يترقب عشرات الآلاف من الطامحين في الهجرة المشهد السياسي الجديد في أوروبا بقلق وحسرة، لما له من تأثير على فرص الالتحاق بمن سبقوهم في الوصول إلى أرض الأحلام، فهذا الوجه الجديد لأوروبا قد يسد المنافذ الرسمية وغير الشرعية في وجوههم إلى إشعار آخر ربما لن يأتي.
نجاح اليمين المتطرف قد يكون نجاحاً ظرفياً جاء كنتيجة منطقية لحالة اقتصادية صعبة تعيش تحت وطأتها أوروبا بعد أن خرجت من مرحلة الوباء لتجد نفسها في حرب استنزاف فرضها غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، هذا النجاح يعكس أيضاً المزاج العام في أوروبا الذي استهلك بما فيه الكفاية خطاباً يسارياً مكرراً عاجزاً عن إيقاف كرة التضخم الاقتصادي المتدحرجة بثقل نحو الأسفل، وبات رافضاً لفكرة توسيع الاتحاد الأوروبي شرقاً على حساب الرفاهية التي تتراجع وتتقلص غرباً.
 في هذا الظرف الاقتصادي العصيب أصبح من المنطقي أن تنساق أصوات الناخبين إلى من يقود خطة إصلاح وإنقاذ حتى وإن كانت ستأتي على حساب المهاجرين أو الأوروبيين الشرقيين، وفي هذا الظرف والمزاج العام وجد اليمينيون المتطرفون والمروجون للأفكار العنصرية بيئة خصبة للتمدد على حساب مكتسبات الجالية المهاجرة لاسيما في ملفي المواطنة والاندماج.

لسنين طويلة استنزفت أوروبا الكثير من المادة الرمادية التي وفرتها أنظمة حكم بائس لم تكن في حاجة إلى أبنائها بقدر ما كانت حريصة على تثبيت أقدامها في الحكم. استفادت أوروبا أيّما استفادة من خزان الكفاءات المهنية التي وفرها المهاجرون في سوق العمل الأوروبي وسدت الفجوة العمرية في مجتمعاتها ما بين الشيوخ والشباب، في المقابل لا ننكر أنها قدمت العديد من الامتيازات أو حسنت من الوضع الاقتصادي والاجتماعي لقاصديها، ومع ذلك بقي ملف الهوية ورقة سياسية يتم توظيفها من اليمين واليسار ومن المعتدلين والمتطرفين على حد سواء بغية الوصول إلى السلطة.
حكومات اليسار وفّرت الملاذ للأطباء وعمال المزارع والمهن الشاقة، لكن دافع هؤلاء المهاجرين الذين فرّوا من جحيم حروب وأزمات ومن بلدان أتت أنظمتها الشمولية على الأخضر واليابس، كان دائماً يتفوق على مطامع السياسيين، وهو ما يجعل تقييمنا لتلك السياسات على أنها تصب في خانة المنفعة المشتركة، والحركات اليمينية المتطرفة، وإن كان المأخذ الكبير ضد سياستها هو تبني خطاب راديكالي عنصري يرفع من مستويات الإسلاموفوبيا ويرتد بنتائج عكسية، إلا أنها لا تلام في بعض المواضع والأفكار الاقتصادية والاجتماعية، بالنظر إلى أن مخلفات السياسات السابقة في تجاهل الخطر الذي يشكله ملف الهجرة والاكتفاء بمنافعه فقط أوصلت أوروبا إلى ما هي عليه اليوم.
قبل أن تكون مشكلة المهاجرين مع صعود اليمين المتطرف وما سيجلبه هذا الصعود من منغصات تزيد من أعباء الحياة وتجعل بقاءهم غير مرغوب فيه أكثر من ذي قبل، كانت ولا تزال مشاكل المهاجرين مع بلدانهم الأصلية بعد أن قدم حكامهم وأنظمتهم الفاسدة كل الأسباب والمسببات لدفعهم إلى الفرار نحو أوروبا، ودفعهم صراع النفوذ بين الأمم الكبرى إلى الهروب من أتون الحروب كخيار المضطر، لهذا أليس من الأصح توصيف المهاجر على أنه ضحية قبل أن يكون مشكلة؟
المفارقة الكبرى تكمن في أن دول أوروبا التي يجمعها ماض استعماري مع العديد من الدول التي يأتي منها اللاجئون هي ذاتها من أسس لميلاد الأنظمة الكليبتوقراطية الوكيلة على أعمالها ومصالحها وهي ذاتها التي فتحت بنوكها لاستقبال أرصدة الحكام والمسؤولين الناهبين، ولا ينبغي أن ينسى اليمين المتطرف أن أوروبا هي من أفرغت أفريقيا من محتواها، وأن مسألة فك الارتباط معها يستوجب دفع فاتورة ضخمة تعادل سنوات الاستنزاف التي مرت وحجم الضرر البالغ الذي سببته بنية أنظمة الحكم العسكري الذي اشترك في تصميم مقاسه العديد من القادة الأوروبيين، وأن الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء قد يكون نوعاً من الحلول الترقيعية التي تستجيب لحالة مزاجية غالبة في المجتمعات الأوروبية، لكنه وبكل تأكيد لن ينهي المشكلة مع استمرار وجود العلة التي تأتي بالمهاجرين.